لتحميل الملف / حمل من هنا
الحديث العاشر :
قال البخاري
: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال
حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت
يداك .
قوله (تنكح المرأة
لأربع) أي لأجل أربع.
ما
المقصود بالحسب ولم سمي حسبا ؟ وهل الحسب المال ؟
قوله (لمالها ولحسبها)
بفتح المهملتين ثم موحدة أي شرفها،
والحسب في الأصل
الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر
آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره.
وقيل المراد بالحسب
هنا الفعال الحسنة.
وقيل المال وهو مردود
لذكر المال قبله وذكره معطوفا عليه.
وقد وقع في مرسل
يحيى بن جعدة عند سعيد بن منصور " على دينها ومالها وعلى حسبها ونسبها "
وذكر النسب على هذا تأكيد،
وأما ما أخرجه أحمد
والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه " إن أحساب أهل الدنيا الذي
يذهبون إليه المال " فيحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له، فيقوم
النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له، ومنه
حديث سمرة رفعه
" الحسب المال، والكرم التقوى " أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم، وبهذا
الحديث تمسك من اعتبر الكفاءة بالمال وسيأتي في الباب الذي بعده، أو أن من شأن أهل
الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا، وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب
كما هو موجود مشاهد، فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال
كما سيأتي البحث فيه، لا على الثاني لكونه سيق في الإنكار على من يفعل ذلك.
وقد أخرج مسلم الحديث
من طريق عطاء عن جابر وليس فيه ذكر الحسب اقتصر على الدين والمال والجمال.
---------------------------------------------------------
هل في
الحديث استحباب تزوج الحسيب للحسيبة ؟
ويؤخذ منه أن الشريف
النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة إلا إن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم
ذات الدين، وهكذا في كل الصفات.
وأما قول بعض الشافعية
يستحب أن
لا تكون المرأة ذات قرابة قريبة فإن كان مستندا إلى الخبر فلا أصل له أو إلى التجربة
وهو أن الغالب أن الولد بين القريبين يكون أحمق فهو متجه.
هل في
الحديث استحباب تزوج الجميلة ؟
قوله (وجمالها) يؤخذ
منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة، نعم
لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن
تكون خفيفة الصداق.
قوله (فاظفر بذات
الدين) في حديث جابر " فعليك بذات الدين " والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة
أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته فأمره النبي صلى الله عليه
وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية.
وقد وقع في حديث
عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه رفعه لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن
- أي يهلكهن - ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين،
ولأمة سوداء ذات دين أفضل".
-----------------------------------------------------------
مسألة
: ما معنى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
تربت يمينك ؟
قوله (تربت يداك)
أي لصقتا بالتراب وهي كناية عن الفقر وهو خبر بمعنى الدعاء،
لكن
لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب " العمدة"، زاد غيره أن صدور ذلك من النبي
صلى الله عليه وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه،
وحكى ابن العربي
أن معناه استغنت، ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر، ووجه بأن
الغنى الناشئ عن المال تراب لأن جميع ما في الدنيا تراب ولا يخفى بعده،
وقيل معناه ضعف
عقلك، وقيل افتقرت من العلم،
وقيل
فيه تقدير شرط أي وقع لك ذلك إن لم تفعل ورجحه ابن العربي،
وقيل معنى افتقرت
خابت، وصحفه بعضهم فقاله بالثاء المثلثة ووجهه بأن معنى تربت تفرقت وهو مثل حديث
" نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب " وهو جمع ثروب وأثرب مثل فلوس
وأفلس وهي جمع ثرب بفتح أوله وسكون الراء وهو الشحم الرقيق المتفرق الذي يغشى الكرش،
وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الأدب.
قال القرطبي: معنى
الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لأجلها، فهو خبر عما في الوجود
من ذلك لا أنه وقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين
أولى، قال ولا يظن من هذا الحديث أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها، فإن
ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي.
مسألة
هل في الحديث دليل على جواز مال الزوجة للزوج ؟
وقال المهلب: في
هذا الحديث دليل على أن للزوج الاستمتاع بمال الزوجة، فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلا
فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق.
وتعقب بأن هذا التفصيل ليس في الحديث.
ولم ينحصر قصد نكاح
المرأة لأجل مالها في استمتاع الزوج، بل قد يقصد تزويج ذات الغنى لما عساه يحصل له
منها من ولد فيعود إليه ذلك المال بطريق الإرث إن وقع، أو لكونها تستغني بمالها
عن كثرة مطالبته بما يحتاج إليه نساء ونحو ذلك.
وأعجب منه استدلال
بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على امرأته في مالها، قال: لأنه إنما تزوج لأجل المال فليس
لها تفويته عليه، ولا يخفى وجه الرد عليه والله أعلم
الحديث الحادي
عشر :
قال البخاري : حدثنا
أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف أن أبا
هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا ولا
أنت يا رسول الله قال لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا ولا
يتمنين أحدكم الموت إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب .
قوله: (أخبرني أبو
عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف) هو أبو عبيد مولى ابن أزهر واسمه سعيد بن عبيد، وابن
أزهر الذي نسب إليه هو عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري؛
هكذا اتفق هؤلاء عن الزهري في روايته عن أبي عبيد، وخالفهم إبراهيم بن سعد عن الزهري
فقال " عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة " أخرجه النسائي وقال: رواية
الزبيدي أولى بالصواب، وإبراهيم بن سعد ثقة، يعني ولكنه أخطأ في هذا.
قوله: (لن يدخل أحدا
عمله الجنة) الحديث يأتي الكلام عليه في كتاب الرقاق، فإنه أورده مفردا من وجه آخر
عن أبي هريرة وغيره، وإنما أخرجه هنا استطرادا لا قصدا، والمقصود منه الحديث الذي بعده
وهو قوله " ولا يتمنى الخ " وقد أفرده في كتاب التمني من طريق معمر عن الزهري،
وكذا أخرجه النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري.
مسألة
ما الألفاظ الواردة في النهي عن التمني ؟
قوله: (ولا يتمني)
كذا للأكثر بإثبات التحتانية، وهو لفظ نفي بمعني النهي ووقع في رواية الكشميهني "
لا يتمن " على لفظ النهي، ووقع في رواية معمر الآتية في التمني بلفظ "
لا يتمنى " للأكثر وبلفظ " لا يتمنين " للكشميهني، وكذا
هو في رواية همام عن أبي هريرة بزيادة نون التأكيد،
مسألة
ما مفهوم الزيادة الواردة في بعض الأحاديث " ولا يدع به من قبل أن يأتيه
"
وزاد بعد قوله أحدكم الموت " ولا يدع به من
قبل أن يأتيه " وهو قيد في الصورتين، ومفهومه أنه إذا حل به لا يمنع من تمنيه
رضا بلقاء الله ولا من طلبه من الله لذلك وهو كذلك، ولهذه النكتة عقب البخاري حديث
أبي هريرة بحديث عائشة " اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى
" إشارة إلى أن النهي مختص بالحالة التي قبل نزول الموت، فلله دره ما كان أكثر
استحضاره وإيثاره للأخفى على الأجلى شحذا للأذهان.
مسألة
هل ورد أن يوسف وكيف يجاب عن ذلك تمنى الموت ؟
وقد خفي صنيعه هذا
على من جعل حديث عائشة في الباب معارضا لأحاديث الباب أو ناسخا لها، وقوي ذلك يقول
يوسف عليه السلام (توفني مسلما وألحقني بالصالحين)
1- قال ابن التين:
قيل إن النهى منسوخ بقول يوسف فذكره، وبقول سليمان (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين)
وبحديث عائشة في الباب، وبدعاء عمر بالموت وغيره. قال وليس الأمر كذلك لأن هؤلاء إنما
سألوا ما قارب الموت.
قلت: وقد اختلف في
مراد يوسف عليه السلام، فقال قتادة: لم يتمني الموت أحد إلا يوسف حين تكاملت عليه النعم
وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء الله، أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه.
2- وقال غيره: بل مراده توفني مسلما عند حضور أجلي،
كذا أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك بن مزاحم، وكذلك مراد سليمان عليه السلام.
وعلى تقدير الحمل
على ما قال قتادة فهو ليس من شرعنا، وإنما يؤخذ بشرع من قبلنا ما لم يرد في شرعنا النهي
عنه بالاتفاق، وقد استشكل الإذن في ذلك عند نزول الموت لأن نزول الموت لا يتحقق، فكم
من انتهى إلى غاية جرت العادة بموت من يصل إليها ثم عاش.
والجواب أنه يحتمل
أن يكون المراد أن العبد يكون حاله في ذلك الوقت حال من يتمني نزوله به ويرضاه أن لو
وقع به، والمعني أن يطمئن قلبه إلى ما يرد عليه من ربه ويرضى به ولا يقلق، ولو لم يتفق
أنه يموت في ذلك المرض.
مسألة
بماذا علل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن تمني الموت ؟
قول (إما محسنا فلعله
أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب) أي يرجع عن موجب العتب عليه.
ووقع في رواية همام
عن أبي هريرة عند أحمد " وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " وفيه إشارة
إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة
يتسبب منها العمل، والعمل يحصل زيادة الثواب، ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل
الأعمال.
مسألة
كيف تجيب على من يقول أن طول عمر المسلم قد يوقعه في المعاصي وما هو أشد ؟
ولا يرد على هذا
أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان لأن ذلك نادر، والإيمان بعد
أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك - وقد وقع لكن نادرا - فمن
سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر، فتعجيله بطلب الموت
لا خير له فيه.
ويؤيده حديث أبي
أمامة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما
طال من عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك " أخرجه بسند لين، ووقع في رواية همام
عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم " وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا "
واستشكل بأنه قد
يعمل السيئات فيزيده عمره شرا، وأجيب بأجوبة:
أحدها : حمل المؤمن على الكامل وفيه بعد،
والثاني : أن المؤمن بصدد أن يعمل ما يكفر ذنوبه
إما من اجتناب الكبائر وإما من فعل حسنات أخر تقاوم سيئاته، وما دام الإيمان باق فالحسنات
بصدد التضعيف، والسيئات بصدد التكفير.
والثالث : يقيد ما أطلق في هذه الرواية بما وقع في
رواية الباب من الترجي حيث جاء بقوله " لعله " والترجي مشعر بالوقوع غالبا
لا جزما، فخرج الخبر مخرج تحسين الظن بالله، وأن المحسن يرجو من الله الزيادة
بأن يوفقه للزيادة من عمله الصالح، وأن المسيء لا ينبغي له القنوط من رحمة الله ولا
قطع رجائه، أشار إلى ذلك شيخنا في " شرح الترمذي".
مسألة
كيف تجيب على تعارض حديث " وتوفني إذا كان الوفاة خيرا لي " ففيه دليل
على أن الموت قد يكون خير ؟
ويدل على أن قصر
العمر قد يكون خيرا للمؤمن حديث أنس الذي في أول الباب " وتوفني إذا كان الوفاة
خيرا لي " وهو لا ينافي حديث أبي هريرة " أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيرا
" إذا حمل حديث أبي هريرة على الأغلب ومقابله على النادر، وسيأتي الإلمام بشيء
من هذا في كتاب التمني إن شاء الله تعالى.
الحديث
الثاني عشر :
قال البخاري : حدثنا
محمد بن المثنى قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس
بن مالك رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال: " ثلاث من كن فيه وجد
حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا
لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار."
قوله: (حدثنا محمد
بن المثنى) هو أبو موسى العنزي بفتح النون بعدها زاي، قال: حدثنا عبد الوهاب، هو ابن
عبد المجيد، حدثنا أيوب، هو ابن أبي تميمة السختياني بفتح السين المهملة على الصحيح،
وحكي= ضمها وكسرها، عن أبي قلابة بكسر القاف وبباء موحدة.
قوله: (ثلاث) هو
مبتدأ والجملة الخبر، وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض المضاف إليه، فالتقدير:
ثلاث خصال، ويحتمل في إعرابه غير ذلك.
قوله: (كن) أي: حصلن،
فهي تامة.
مسألة
وضح علاقة التشبيه بين الحلاوة وما يجده المؤمن وغير المؤمن ؟
وفي قوله:
" حلاوة الإيمان " استعارة تخييلية، شبه رغبة المؤمن في الإيمان بشيء حلو
وأثبت له لازم ذلك الشيء وأضافه إليه، وفيه تلميح إلى قصة المريض والصحيح لأن المريض
الصفراوي يجد طعم العسل مرا، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه، وكلما نقصت الصحة
شيئا ما نقص ذوقه بقدر ذلك، فكانت هذه الاستعارة من أوضح ما يقوي استدلال المصنف على
الزيادة والنقص.
قال الشيخ أبو محمد
بن أبي جمرة: إنما عبر بالحلاوة لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: (مثلاً
كلمة طيبة كشجرة طيبة) فالكلمة هي كلمة الإخلاص، والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع
الأمر واجتناب النهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة
الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة وبه تظهر حلاوتها.
مسألة وما المراد بالحب هنا ؟ ولماذا عبر عنه بالمحسوس
قوله: (أحب إليه)
منصوب لأنه خبر يكون، قال البيضاوي: المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما
يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه
فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر
ولا ينهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك،(1/ 61)
تمرن على الائتمار بأمره بحيث يصير هواه تبعا له، ويلتذ بذلك التذاذا عقليا، إذ الالتذاذ
العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك.
وعبر الشارع عن هذه
الحالة بالحلاوة لأنها أظهر اللذائذ المحسوسة.
مسألة
لماذا أختار هذه الثلاث الخصال ؟
قال: وإنما جعل هذه
الأمور الثلاثة عنوانا لكمال الإيمان، لأن المرء إذا تأمل أن المنعم بالذات هو الله
تعالى، وأن لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي
يبين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه: فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من
يحب إلا من أجله. وأن يتيقن أن جملة ما وعد وأوعد حق يقينا.
ويخيل إليه الموعود
كالواقع، فيحسب أن مجالس الذكر رياض الجنة، وأن العود إلى الكفر إلقاء في النار. انتهى ملخصا.
مسألة
ما شاهد الحديث من القرآن ؟
وشاهد الحديث من
القرآن قوله تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم - إلى أن قال - أحب إليكم من الله ورسوله)
ثم هدد على ذلك وتوعد بقوله: (فتربصوا) .
(فائدة) : فيه إشارة إلى التحلي بالفضائل والتخلي
عن الرذائل، فالأول من الأول والأخير من الثاني .
مسألة
ما أقسام محبة الله ؟ ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم
وقال غيره: محبة
الله على قسمين فرض وندب.
فالفرض: المحبة التي تبعث على امتثال أوامره، والانتهاء
عن معاصيه، والرضا بما يقدره، فمن وقع في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في
محبة الله حيث قدم هوى نفسه. والتقصير تارة يكون مع الاسترسال في المباحات والاستكثار
منها، فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء فيقدم على المعصية، أو تستمر الغفلة
فيقع. وهذا الثاني يسرع إلى الإقلاع مع الندم.
وإلى الثاني يشير حديث: " لا يزني الزاني وهو مؤمن".
والندب: أن يواظب على النوافل، ويتجنب الوقوع في
الشبهات، والمتصف عموما بذلك نادر.
قال: وكذلك محبة
الرسول على قسمين كما تقدم، ويزاد أن لا يتلقى شيئا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا
يسلك إلا طريقته، ويرضى بما شرعه، حتى لا يجد في نفسه حرجا مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه
في الجود والإيثار والحلم والتواضع وغيرها، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان،
وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك.
وقال الشيخ محيي
الدين: هذا حديث عظيم، أصل من أصول الدين. ومعنى حلاوة الإيمان استلذاذ الطاعات، وتحمل
المشاق في الدين، وإيثار ذلك على أعراض الدنيا، ومحبة العبد لله تحصل بفعل طاعته وترك
مخالفته، وكذلك الرسول.
مسألة
لماذا قال مما ولم يقل ممن وما حكم التثنية بقوله سواهما ؟
وإنما قال:
" مما سواهما " ولم يقل: " ممن " ليعم من يعقل ومن لا يعقل.
قال: وفيه دليل على
أنه لا بأس بهذه التثنية.
مسألة
هل هناك تعارض بين هذا الحديث والحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة عَنْ عَدِيِّ
بْنِ حَاتِمٍ، أَنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا، فَقَدْ
غَوَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِئْسَ الْخَطِيبُ
أَنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ".
وأما قوله للذي خطب
فقال: ومن يعصهما " بئس الخطيب أنت"
1- فليس من هذا، لأن المراد في الخطب الإيضاح، وأما
هنا فالمراد الإيجاز في اللفظ ليحفظ، ويدل عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم -حيث
قاله في موضع آخر قال: " ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه".
2- واعترض بأن هذا الحديث إنما ورد أيضا في حديث
خطبة النكاح. وأجيب: بأن المقصود في خطبة النكاح أيضا الإيجاز فلا نقض.
وثم أجوبة أخرى،
منها:
3- دعوى الترجيح، فيكون حيز المنع أولى
لأنه عام. والآخر يحتمل الخصوصية، ولأنه ناقل والآخر مبني على الأصل، ولأنه قول
والآخر فعل.
ورد بأن احتمال التخصيص
في القول أيضا حاصل بكل قول، ليس فيه صيغة عموم أصلا، .
4- ومنها دعوى أنه
من الخصائص، فيمتنع من غير النبي -صلى الله عليه وسلم -ولا يمتنع منه، لأن غيره إذا
جمع أوهم إطلاقه التسوية، بخلافه هو فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك.
وإلى هذا مال ابن
عبد السلام.
5-ومنها دعوى التفرقة بوجه آخر، وهو أن كلامه -صلى
الله عليه وسلم -هنا جملة واحدة فلا يحسن إقامة الظاهر فيها مقام المضمر، وكلام الذي
خطب جملتان لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر.
وتعقب هذا بأنه لا
يلزم من كونه لا يكره إقامة الظاهر فيهما مقام المضمر أن يكره إقامة المضمر فيها مقام
الظاهر، فما وجه الرد على الخطيب مع أنه هو -صلى الله عليه وسلم -جمع كما تقدم؟
6- ويجاب: بأن قصة الخطيب - كما قلنا - ليس فيها
صيغة عموم، بل هي واقعة عين، فيحتمل أن يكون في ذلك المجلس من يخشى عليه توهم التسوية
كما تقدم.
7- ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة
الخطيب أن تثنية الضمير هنا للإيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين،
لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى.
فمن يدعي حب الله
مثلا ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ويشير إليه قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني
يحببكم الله) فأوقع متابعته مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد.
وأما أمر الخطيب
بالإفراد فلأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير،
والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم، ويشير إليه قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) فأعاد " أطيعوا " في الرسول ولم يعده في أولي الأمر
لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة كاستقلال الرسول.
انتهى ملخصا من كلام
البيضاوي والطيبي.
ومنها أجوبة أخرى
فيها تكلم: منها أن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه، ومنها أن له أن يجمع بخلاف غيره.
---------------------------------------------
مسألة
ما حقيقة الحب ؟
قوله: (وأن يحب المرء)
قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء.
مسألة
لماذا عبر بالإنقاذ منه وقد لا يكون المسلم دخل الكفر كمن يولد على الإسلام ؟
ولماذا عدي بفي بدل إلى ؟
قوله: (وأن يكره
أن يعود في الكفر) زاد أبو نعيم في المستخرج من طريق الحسن بن سفيان عن محمد ابن المثنى
شيخ المصنف: " بعد إذ أنقذه الله منه"، وكذا هو في طريق أخرى للمصنف، والإنقاذ
أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر، أو بالإخراج من
ظلمة الكفر إلى نور الإيمان كما وقع لكثير من الصحابة.
وعلى الأول فيحمل
قوله: " يعود " على معنى الصيرورة، بخلاف الثاني فإن العود فيه على ظاهره.
فإن قيل: فلم عدى
العود بفي ولم يعده بإلى؟
فالجواب: أنه ضمنه
معنى الاستقرار، وكأنه قال: يستقر فيه. ومثله قوله تعالى: (وما كان لنا أن نعود فيها)
.
(تنبيه) : هذا الإسناد كله بصريون. وأخرجه المصنف
بعد ثلاثة أبواب من طريق شعبة عن قتادة عن أنس، واستدل به على فضل من أكره على الكفر
فترك البتة إلى أن قتل، وأخرجه من هذا الوجه في الأدب في فضل الحب في الله، ولفظه في
هذه الرواية: " وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه
الله منه " وهي أبلغ من لفظ حديث الباب، لأنه سوى فيه بين الأمرين، وهنا جعل الوقوع
في نار الدنيا أولى من الكفر الذي أنقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى، وكذا رواه
مسلم من هذا الوجه، وصرح النسائي في روايته والإسماعيلي بسماع قتادة له من أنس، والله
الموفق.
وأخرجه النسائي من
طريق طلق بن حبيب عن أنس وزاد في الخصلة الثانية ذكر البغض في الله ولفظه: " وأن
يحب في الله ويبغض في الله " وقد تقدم للمصنف في ترجمته: " والحب في الله
والبغض في الله من الإيمان " وكأنه أشار بذلك إلى هذه الرواية.
والله أعلم.
الحديث
الثالث عشر :
(باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) ليس في
أكثر الروايات في الترجمة قوله: " في الدين " وثبتت للكشميهني.
حدثنا سعيد بن عفير
قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا
يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما
أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى
يأتي أمر الله .
قوله: (حدثنا سعيد
بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير، نسب إلى جده، وهو بالمهملة مصغرا. قوله: (عن ابن شهاب) قال حميد في الاعتصام: للمؤلف من هذا الوجه: أخبرني
حميد. ولمسلم: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف، زاد تسمية جده قوله: (سمعت معاوية)
هو ابن أبي سفيان. قوله: (خطيبا) هو حال من المفعول. وفي رواية مسلم والاعتصام.
"سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب".
مسألة
ما المسائل العامة التي يدل عليها هذا الحديث ؟
وهذا الحديث مشتمل
على ثلاثة أحكام:
أحدها فضل النفقة في الدين.
وثانيها أن المعطي
في الحقيقة هو الله.
وثالثها أن بعض هذه
الأمة يبقى على الحق أبدا.
فالأول لائق بأبواب
العلم.
والثاني لائق بقسم
الصدقات، ولهذا أورده مسلم في الزكاة، والمؤلف في الخمس. والثالث لائق بذكر أشراط الساعة،
وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلى مسألة عدم خلو الزمان عن مجتهد، وسيأتي
بسط القول فيه هناك، وأن المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شيء
من الإيمان ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة.
مسألة
كيف يكون لهذه الثلاثة المسائل علاقة بطلب العلم ؟
وقد تتعلق لأحاديث
الثلاثة بأبواب العلم - بل بترجمة هذا الباب خاصة - من جهة إثبات الخير لمن تفقه في
دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط، بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله
عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله،
مسألة
مالمقصود بالطائفة الباقية على الحث من الأمة ؟
1- وقد جزم البخاري
بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار. وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا
أهل الحديث فلا أدري من هم.
وقال القاضي عياض:
أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
2- وقال النووي:
محتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد
وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان
واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين.
قلت: وسيأتي بسط
ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى.
مسألة
ما معنى يفقهه وما محلها من الإعراب ؟ ولماذا نكر خيراً
قوله: (يفقهه) أي
يفهمه كما تقدم، وهي ساكنة الهاء لأنها جواب الشرط، يقال فقه بالضم إذا صار الفقه له
سجية، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم.
ونكر " خيرا
" ليشمل القليل والكثير، والتنكير للتعظيم لأن المقام يقتضيه.
ومفهوم الحديث أن
من لم يتفقه في الدين - أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حرم الخير.
وقد أخرج أبو يعلى
حديث معاوية من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: " ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله
به " والمعنى صحيح، لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه، فيصح
أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيان ظاهر لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل
التفقه في الدين على سائر العلوم.
وسيأتي بقية الكلام
على الحديثين الآخرين في موضعهما من الخمس والاعتصام إن شاء الله تعالى.
وقوله: " لن
تزال هذه الأمة " يعني بعض الأمة كما يجيء مصرحا به في الموضع الذي أشرت إليه
إن شاء الله تعالى.
قوله (باب لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه مسلم عن ثوبان، وبعده
" لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " وله من حديث جابر مثله،
لكن قال " يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة " وله من حديث معاوية
المذكور في الباب نحوه.
قوله (وهم أهل العلم)
هو من كلام المصنف وأخرج الترمذي حديث الباب ثم قال سمعت محمد ابن إسماعيل هو البخاري
يقول، سمعت علي بن المديني يقول هم أصحاب الحديث، وذكر في " كتاب خلق أفعال العباد
" عقب حديث أبي سعيد في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) هم الطائفة المذكورة
في حديث " لا تزال طائفة من أمتي " ثم ساقه وقال وجاء نحوه عن أبي هريرة
ومعاوية وجابر وسلمة بن نفيل وقرة ابن إياس انتهى.
وأخرج الحاكم في
علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، ومن طريق يزيد
بن هارون مثله " وزعم بعض الشراح أنه استفاد ذلك من حديث معاوية لأن فيه
" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " وهو في غاية البعد.
وقال الكرماني يؤخذ
من الاستقامة المذكورة في الحديث الثاني أن من جملة الاستقامة أن يكون التفقه، لأنه
الأصل قال وبهذا ترتبط الأخبار المذكورة في حديث معاوية، لأن الاتفاق لا بد منه، أي
المشار إليه بقوله " وإنما أنا قاسم ويعطى الله عز وجل".
الحديث
الرابع عشر :
قال البخاري : حدثنا
محمد بن العلاء قال حدثنا حماد بن أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث
الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها
أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى
إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني
الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به قال
أبو عبد الله قال إسحاق وكان منها طائفة قيلت الماء قاع يعلوه الماء والصفصف المستوي
من الأرض .
(باب فضل من علم
وعلم) الأولى بكسر اللام الخفيفة أي صار عالما، والثانية بفتحها وتشديدها.
قوله: (حدثنا محمد
بن العلاء) هو أبو كريب مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وكذا شيخه أبو أسامة، وبريد بضم
الموحدة وأبو بردة حده وهو ابن أبي موسى الأشعري.
وقال في السياق عن
أبي موسى ولم يقل عن أبيه تفننا، والإسناد كله كوفيون.
مسألة
معاني ألفاظ الحديث .
قوله: (مثل) بفتح
المثلثة والمراد به الصفة العجيبة لا القول السائر.
قوله: (الهدى) أي
الدلالة الموصلة إلى المطلوب، والعلم المراد به معرفة الأدلة الشرعية.
قوله: (نقية) كذا
عند البخاري في جميع الروايات التي رأيناها بالنون من النقاء وهي صفة لمحذوف، لكن وقع
عند الخطابي والحميدي وفي حاشية أصل أبي ذر ( ثغبة )بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة بعدها موحدة خفيفة
مفتوحة، قال الخطابي: هي مستنقع الماء في الجبال والصخور. قال القاضي عياض: هذا غلط في
الرواية، وإحالة للمعنى.
لأن هذا وصف الطائفة
الأولى التي تنبت، وما ذكره يصلح وصفا للثانية التي تمسك الماء.
قال: وما ضبطناه
في البخاري من جميع الطرق إلا " نقية " بفتح النون وكسر القاف وتشديد الياء
التحتانية، وهو مثل قوله في مسلم: " طائفة طيبة".
قلت: وهو في جميع
ما وقفت عليه من المسانيد والمستخرجات كما عند مسلم وفي كتاب الزركشي.
وروي: " بقعة
" قلت: هو بمعنى طائفة، لكن ليس ذلك في شيء من روايات الصحيحين.
ثم قرأت في شرح ابن
رجب أن في رواية بالموحدة بدل النون قال: والمراد بها القطعة الطيبة كما يقال فلان
بقية الناس، ومنه: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية) .
قوله: (قبلت) بفتح
القاف وكسر الموحدة من القبول، كذا في معظم الروايات.
ووقع عند الأصيلي:
" قيلت " بالتحتانية المشددة، وهو تصحيف كما سنذكره بعد.
قوله: (الكلأ) بالهمزة
بلا مد.
قوله: (والعشب) هو
من ذكر الخاص بعد العام، لأن الكلأ يطلق على النبت الرطب واليابس معا، والعشب للرطب
فقط.
قوله: ( إخاذات )
كذا في رواية أبي ذر بكسر الهمزة والخاء والذال المعجمتين وآخره مثناة من فوق قبلها
ألف جمع إخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء.
وفي رواية غير أبي
ذر وكذا في مسلم وغيره: " أجادب " بالجيم والدال المهملة بعدها موحدة جمع
جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس وهي الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء.
وضبطه المازري بالذال
المعجمة. ووهمه القاضي.
ورواها الإسماعيلي
عن أبي يعلى عن أبي كريب: " أحارب " بحاء وراء مهملتين، قال الإسماعيلي:
لم يضبطه أبو يعلى وقال الخطابي: ليست هذه الرواية بشيء.
قال: وقال بعضهم:
" أجارد " بجيم وراء ثم دال مهملة جمع جرداء وهي البارزة التي لا تنبت، قال
الخطابي: هو صحيح المعنى إن ساعدته الرواية.
وأغرب صاحب المطالع
فجعل الجميع روايات، وليس في الصحيحين سوى روايتين فقط، وكذا جزم القاضي.
قوله: (فنفع الله
بها) أي بالإخاذات. وللأصيلي به أي بالماء.
قوله: (وزرعوا) كذا
له بزيادة زاي من الزرع، ووافقه أبو يعلى ويعقوب بن الأخرم وغيرهما عن أبي كريب، ولمسلم
والنسائي وغيرهما عن أبي كريب: " ورعوا " بغير زاي من الرعي، قال النووي. كلاهما صحيح.
ورجح القاضي رواية
مسلم بلا مرجح، لأن رواية زرعوا تدل على مباشرة الزرع لتطابق في التمثيل مباشرة طلب
العلم، وإن كانت رواية رعوا مطابقة لقوله أنبتت، لكن المراد أنها قابلة للإنبات.
وقيل إنه روي
" ووعوا " بواوين، ولا أصل لذلك.
وقال القاضي قوله:
" ورعوا " راجع للأولى لأن الثانية لم يحصل منها نبات انتهى.
ويمكن أن يرجع إلى
الثانية أيضا بمعنى أن الماء الذي استقر بها سقيت منه أرض أخرى فأنبتت.
قوله: (فأصاب) أي
الماء. وللأصيلي وكريمة
أصابت أي طائفة أخرى.
ووقع كذلك صريحا
عند النسائي.
والمراد بالطائفة
القطعة.
قوله: (قيعان) بكسر
القاف جمع قاع وهو الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت.
قوله: (فقه) بضم
القاف أي صار فقيها.
وقال ابن التين:
رويناه بكسرها والضم أشبه.
مسألة
ما وجه الشبه ومناسبته بين ما مثل به النبي صلى الله عليه وسلم وحاله وما جاء به ؟
قال القرطبي وغيره:
ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي في
حال حاجتهم إليه، وكذا كان الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت فكذا علوم
الدين تحيي القلب الميت.
ثم شبه السامعين
له بالأرض المختلفة التي ينزل بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم.
فهو بمنزلة الأرض
الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها.
ومنهم الجامع للعلم
المستغرق لزمانه فيه غير أنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع لكنه أداه لغيره،
فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله:
" نضر الله امرءا سمع مقالتي فأداها كما سمعها".
ومنهم من يسمع العلم
فلا يحفظه ولا يعمل به ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا
تقبل الماء أو تفسده على غيرها.
وإنما جمع المثل
بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفرد الطائفة الثالثة
المذمومة لعدم النفع بها.
والله أعلم.
ثم ظهر لي أن في
كل مثل طائفتين، فالأول قد أوضحناه،
والثاني الأولى
منه من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، ومثالها من الأرض
السباخ وأشير إليها بقوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يرفع بذلك رأسا "
أي أعرض عنه فلم ينتفع له ولا نفع. والثانية منه من لم يدخل في الدين أصلا، بل بلغه فكفر به، ومثالها من الأرض السماء
الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا ينتفع به، وأشير إليها بقوله صلى الله عليه
وسلم: " ولم يقبل هدى الله الذي جئت به".
وقال الطيبي: بقي
من أقسام الناس قسمان: أحدهما الذي انتفع بالعلم في نفسه ولم يعلمه غيره، والثاني
من لم ينتفع به في نفسه وعلمه غيره.
قلت: والأول داخل
في الأول لأن النفع حصل في الجملة وإن تفاوتت مراتبه، وكذلك ما تنبته الأرض، فمنه ما
ينتفع الناس به ومنه ما يصير هشيما.
وأما الثاني فإن
كان عمل الفرائض وأهمل النوافل فقد دخل في الثاني كما قررناه، وإن ترك الفرائض أيضا
فهو فاسق لا يجوز الأخذ عنه، ولعله يدخل في عموم: " من لم يرفع بذلك رأسا
" والله أعلم.
قوله: (قال إسحاق:
وكان منها طائفة قيلت) أي بتشديد الياء التحتانية. أي إن إسحاق وهو ابن راهويه حيث
روى هذا الحديث عن أبي أسامة خالف في هذا الحرف. قال الأصيلي: هو تصحيف من إسحاق. وقال غيره: بل هو صواب ومعناه شربت، والقيل شرب نصف النهار، يقال قيلت الإبل
أي شربت في القائلة.
وتعقبه القرطبي بأن
المقصود لا يختص بشرب القائلة. وأجيب بأن كون هذا أصله لا يمنع
استعماله على الإطلاق تجوزا.
وقال ابن دريد: قيل
الماء في المكان المنخفض إذا اجتمع فيه، وتعقبه القرطبي أيضا بأنه يفسد التمثيل، لأن
اجتماع الماء إنما هو مثال الطائفة الثانية، والكلام هنا إنما هو في الأولى التي شربت
وأنبتت. قال: والأظهر أنه تصحيف.
قوله: (قاع يعلوه
الماء. والصفصف المستوي من الأرض) هذا ثابت عند المستملي، وأراد به أن قيعان المذكورة
في الحديث جمع قاع وأنها الأرض التي يعلوها الماء ولا يستقر فيها، وإنما ذكر الصفصف
معه جريا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن،
وقد يستطرد.
ووقع في بعض النسخ
المصطف بدل الصفصف وهو تصحيف.
(تنبيه) : وقع في رواية كريمة: وقال ابن
إسحاق: وكان شيخنا العراقي يرجحها ولم أسمع ذلك منه، وقد وقع في نسخة الصغاني: وقال
إسحاق عن أبي أسامة. وهذا يرجح الأول.
الحديث
الخامس عشر :
(باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة) أي ليصليها
جماعة.
قال البخاري : حدثنا
محمد بن بشار بندار قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص
بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة يظلهم الله في ظله يوم
لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان
تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف
الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه
.
قوله: (حدثنا يحيى)
هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري، وخبيب بضم المعجمة وهو خال عبيد الله الراوي
عنه، وحفص بن عاصم هو ابن عمر بن الخطاب وهو جد عبيد الله المذكور لأبيه.
قوله: (عن أبي هريرة)
لم تختلف الرواة عن عبيد الله في ذلك، ورواه مالك في الموطأ عن خبيب فقال " عن
أبي سعيد وأبي هريرة " على الشك، ورواه أبو قرة عن مالك بواو العطف فجعله عنهما،
وتابعه مصعب الزبيري، وشذا في ذلك عن أصحاب مالك، والظاهر أن عبيد الله حفظه لكونه
لم يشك فيه ولكونه من رواية خاله وجده، والله أعلم.
مسألة
كيف جمع هذا الحديث الدلالة على جميع أنواع الطاعات ؟
قوله: (سبعة) ظاهره
اختصاص المذكورين بالثواب المذكور، ووجهه الكرماني بما محصله أن الطاعة إما أن تكون
بين العبد وبين الرب أو بينه وبين الخلق،
فالأول باللسان وهو الذكر، أو بالقلب وهو المعلق
بالمسجد، أو بالبدن وهو الناشئ في العبادة.
والثاني عام وهو العادل، أو خاص بالقلب وهو التحاب،
أو بالمال وهو الصدقة، أو بالبدن وهو العفة.
وقد نظم السبعة العلامة
أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل فيما أنشدناه أبو إسحاق التنوخي إذنا عن أبي الهدى
أحمد بن أبي شامة عن أبيه سماعا من لفظه قال: وقال النبي المصطفى إن سبعة يظلهم الله
الكريم بظله محب عفيف ناشئ متصدق وباك مصل والإمام بعـدله ووقع في صحيح مسلم من حديث
أبي اليسر مرفوعا " من أنظر معسرا أو وضـع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا
ظله " وهاتان الخصلتان غير السبعة الماضية فدل على أن العدل المذكور لا مفهوم
له.
وقد ألقيت هذه المسألة
على العالم شمس الدين بن عطاء الرازي المعروف بالهروي لما قدم القاهرة وادعى أنه يحفظ
صحيح مسلم، فسألته بحضرة الملك المؤيد عن هذا وعن غيره فما استحضر في ذلك شيئا، ثم
تتبعت بعد ذلك الأحاديث الواردة في مثل ذلك فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة
وردت بأسانيد جياد ونظمتها في بيتين تذييلا على بيتي أبي شامة وهما: وزد سبعة: إظلال
غاز وعونه وإنظار ذي عسر وتخفيف حمله وإرفاد ذي غرم وعون مكاتب وتاجر صدق في المقال
وفعله فأما إظلال الغازي فرواه ابن حبان وغيره من حديث عمر، وأما عون المجاهد فرواه
أحمد والحاكم من حديث سهم بن حنيف، وأما إنظار المعسر والوضيعة عنه ففي صحيح مسلم كما
ذكرنا، وأما إرفاد الغارم وعون المكاتب فرواهما أحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف المذكور،
وأما التاجر الصدوق فرواه البغوي في شرح السنة من حديث سلمان وأبو القاسم التيمي من
حديث أنس، والله أعلم.
ونظمته مرة أخرى
فقلت في السبعة الثانية: وتحسين خلق مع إعانة غارم خفيف يد حتى مكاتب أهله وحديث تحسين
الخلق أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف، ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى
ونظمتها في بيتين آخرين وهما: وزد سبعة: حزن ومشى لمسجد وكره وضوء ثم مطعم فضله وآخـذ
حق باذل ثم كافـل وتاجر صدق في المقال وفعله ثم تتبعت ذلك فجمعت سبعة أخرى، ولكن أحاديثها
ضعيفة وقلت في آخر البيت: " تربع به السبعات من فيض فضله".
وقد أوردت الجميع
في " الأمالي"، وقد أفردته في جزء سميته " معرفة الخصال الموصلة إلى
الظلال".
مسألة
ما قول أهل السنة في شرح معنى الظل وهل أورده ابن حجر ؟
قوله: (في ظله) قال
عياض: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل فهو ملكه.
كذا قال، وكان حقه
أن يقول إضافة تشريف، ليحصل امتياز هذا على غيره، كما قيل للكعبة بيت الله مع أن المساجد
كلها ملكه. وقيل المراد بظله كرامته وحمايته كما يقال فلان في ظل الملك، وهو قول عيسى
بن دينار وقواه عياض،
وقيل المراد ظل عرشه
، ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن " سبعة يظلهم الله في ظل
عرشه " فذكر الحديث، وإذا كان المراد ظل العرش استلزم ما ذكر من كونهم في كنف
الله وكرامته من غير عكس فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضا تقييد ذلك بيوم القيامة
كما صرح به.
ابن المبارك في روايته
عن عبيد الله بن عمر وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال: المراد
ظل طوبى أو ظل الجنة لأن ظلهما إنما يحصل ثم بعد الاستقرار في الجنة.
ثم إن ذلك مشترك
لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أن المراد ظل
العرش، وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد مرفوعا " أحب الناس إلى الله يوم
القيامة وأقربهم منه مجلسا إمام عادل".
قوله: (الإمام العادل)
اسم فاعل من العدل، وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة عن مالك رواه بلفظ " العدل
" قال وهو أبلغ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، ويلتحق
به كل من ولى شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم من حديث عبد الله
بن عمرو رفعه " أن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، الذين
يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا " وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر
الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدمه في الذكر لعموم النفع به.
مسألة
لماذا خص الشاب في ذكر العفة ؟
قوله: (وشاب) خص
الشاب لكونه مظنة غلبة الشهوة لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة
العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى.
قوله: (في عبادة
ربه) في رواية الإمام أحمد عن يحيى القطان " بعبادة الله " وهي رواية مسلم،
وهما بمعنى، زاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر " حـتى توفى على ذلك "
أخرجه الجوزقي. وفي حديث سلمان " أفنى شبابه
ونشاطه في عبادة الله".
مسألة
على ماذا يدل قوله معلق في المساجد ؟
قوله: (معلق في المساجد)
هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق كأنه شبهه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل
مثلا إشارة إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان جسده خارجا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي
" كأنما قلبه معلق في المسجد " ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب،
ويدل عليه رواية أحمد " معلق بالمساجد " وكذا رواية سلمان " من حبها
" وزاد الحموي والمستملى " متعلق " بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام،
زاد سلمان " من حبها " وزاد مالك " إذا خرج منه حتى يعود إليه".
وهذه الخصلة هي المقصودة
من هذا الحديث للترجمة، ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة وهو فضل المساجد ظاهرة،
وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد واستمرار الكون فيه بالقلب وإن عرض للجسد
عارض.
مسألة
لماذا ذكر التثنية في تحابا ؟
قوله: (تحابا) بتشديد
الباء وأصله تحابيا أي اشتركا في جنس المحبة وأحب كل منهما الآخر حقيقة لا إظهارا فقط،
ووقع في رواية حماد بن زيد " ورجلان قال كل منهما للآخر إني أحبك في الله فصدرا
على ذلك " ونحوه في حديث سلمان.
قوله: (اجتمعا على
ذلك وتفرقا عليه) في رواية الكشميهني " اجتمعا عليه " وهي رواية مسلم أي
على الحب المذكور، والمراد أنهما داما على المحبة الدينية ولم يقطعاها بعارض دنيوي
سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرق بينهما الموت.
ووقع في الجمع للحميدي
" اجتمعا على خير " ولم أر ذلك في شيء من نسخ الصحيحين ولا غيرهما من المستخرجات
وهي عندي تحريف.
(تنبيه) : عدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها
اثنان لأن المحبة لا تتم إلا باثنين، أو لما كان المتحابان بمعنى واحد كان عد أحدهما
مغنيا عن عد الآخر، لأن الغرض عد الخصال لا عد جميع من اتصف بها.
مسألة
ماذا يستفاد من وصف المرأة بالمنصب والحسب ؟
قوله: (ورجل طلبته
ذات منصب) بين المحذوف أحمد في روايته عن يحيى القطان فقال " دعته امرأة
" وكذا في رواية كريمة، ولمسلم وهو للمصنف في الحدود عن ابن المبارك، والمراد
بالمنصب الأصل أو الشرف.
وفي رواية ومالك
" دعته ذات حسب " وهو يطلق على الأصل وعلى المال أيضا، وقد وصفها بأكمل الأوصاف
التي جرت العادة بمزيد الرغبة لمن تحصل فيه وهو المنصب الذي يستلزمه الجاه والمال مع
الجمال وقل من يجتمع ذلك فيها من النساء، زاد ابن المبارك " إلى نفسها "
وللبيهقي في الشعب من طريق أبي صالح عن أبي هريرة " فعرضت نفسها عليه " والظاهر
أنها دعته إلى الفاحشة وبه جزم القرطبي ولم يحك غيره.
وقال بعضهم يحتمل
أن تكون دعته إلى التزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالافتتان بها، أو خاف أن لا
يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها، والأول أظهر، ويؤيده وجود الكناية
في قوله " إلى نفسها " ولو كان المراد التزويج لصرح به، والصبر عن الموصوفة
بما ذكر من أكمل المراتب لكثرة الرغبة في مثلها وعسر تحصيلها لا سيما وقد أغنت من مشاق
التوصل إليها بمراودة ونحوها.
قوله: (فقال إني
أخاف الله) زاد في رواية كريمة " رب العالمين " والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه
إما ليزجرها عن الفاحشة أو ليعتذر إليها، ويحتمل أن يقوله بقلبه، قال عياض قال القرطبي:
إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من الله تعالى ومتين تقوى وحياء.
مسألة
لماذا عبر بالماضي في قوله تصدق ؟
قوله: (تصدق أخفى)
بلفظ الماضي.
قال الكرماني هو
جملة حالية بتقدير قد، ووقع في رواية أحمد " تصدق فأخفى " وكذا للمصنف في
الزكاة عن مسدد عن يحيى " تصدق بصدقة فأخفاها " ومثله لمالك في الموطأ، فالظاهر
أن راوي الأولى حذف العاطف، ووقع في رواية الأصيلي " تصدق إخفاء " بكسر الهمزة
ممدودا على أنه مصدر أو نعت لمصدر محذوف، ويحتمل أن يكون حالا من الفاعل أي مخفيا،
وقوله "بصدقة " نكرها ليشمل كل ما يتصدق به من قليل وكثير، وظاهره أيضا يشمل
المندوبة والمفروضة، لكن نقل النووي عن العلماء أن إظهار المفروضة أولى من إخفائها.
قوله: (حتى لا تعلم)
بضم الميم وفتحها.
مسألة
في عبارة (شماله ما تنفق يمينه ) جاءت مقلوبه ما اسم العلم من علوم الحديث .
قوله: (شماله ما تنفق يمينه) هكذا وقع في معظم الروايات
في هذا الحديث في البخاري وغيره، ووقع في صحيح مسلم مقلوبا " حتى لا تعلم يمينه
ما تنفق شماله " وهو نوع من أنواع علوم الحديث أغفله ابن الصلاح وإن كان أفرد
نوع المقلوب لكنه قصره على ما يقع في الإسناد، ونبه عليه شيخنا في محاسن الاصطلاح ومثل
له بحديث " إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل " وقد قدمنا الكلام عليه في كتاب الأذان. وقال شيخنا: ينبغي أن يسمى هذا النوع المعكوس. انتهى.
والأولى تسميته مقلوبا
فيكون المقلوب تارة في الإسناد وتارة في المتن كما قالوه في المدرج سواء، وقد سماه
بعض من تقدم مقلوبا، قال عياض: هكذا في جميع النسخ التي وصلت إلينا من صحيح مسلم وهو
مقلوب أو الصواب الأول وهو وجه الكلام لأن السنة المعهودة في الصدقة إعطاؤها باليمين،
وقد ترجم عليه البخاري في الزكاة " باب الصدقة باليمين " قال: ويشبه أن يكون
الوهم فيه ممن دون مسلم بدليل قوله في رواية مالك لما أوردها عقب رواية عبيد الله بن
عمر فقال بمثل حديث عبيد الله فلو كانت بينهما مخالفة لبينها كما نبه على الزيادة في
قوله " ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه".
انتهى.
وقد تكلف بعض المتأخرين
توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله
بن عمر شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه.
نعم أخرجه البيهقي
في الشعب من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة والراوي له عن سهيل عبد الله
بن عامر الأسلمي وهو ضعيف لكنه ليس بمتروك، وحديثه حسن في المتابعات، ووافق في قوله
" تصدق بيمينه " وكذا أخرجه سعيد بن منصور من حديث سلمان الفارسي بإسناد
حسن موقوفا عليه لكن حكمه الرفع.
وفي مسند أحمد من
حديث أنس بإسناد حسن مرفوعا " إن الملائكة قالت: يا رب هل من خلقك شيء أشد من
الجبال؟ قال: نعم الحديد. قالت: فهل أشد من الحديد؟ قال:
نعم النار. قالت: فهل أشد من النار؟ قال: نعم الماء. قالت: فهل أشد من الماء؟ قال:
نعم الريح. قالت: فهل أشد من الريح؟ قال. نعم ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله
" ثم إن المقصود منه المبالغة في إخفاء الصدقة بحيث أن شماله مع قربها من يمينه
وتلازمهما لو تصور أنها تعلم لما علمت ما فعلت اليمين لشدة إخفائها، فهو على هذا من
مجاز التشبيه.
ويؤيده رواية حماد
بن زيد عند الجوزفي " تصدق بصدقة كأنما أخفى يمينه من شماله " ويحتمل أن
يكون من مجاز الحذف والتقدير حتى لا يعلم ملك شماله.
وأبعد من زعم أن
المراد بشماله نفسه وأنه من تسمية الكل باسم الجزء فإنه ينحل إلى أن نفسه لا تعلم ما
تنفق نفسه، وقيل هو من مجاز الحذف والمراد بشماله من على شماله من الناس كأنه قال مجاور
شماله، وقل المراد أنه لا يرائي بصدقته فلا يكتبها كاتب الشمال، وحكى القرطبي عن بعض
مشايخه أن معناه أن يتصدق على الضعيف المكتسب في صورة الشراء لترويج سلعته أو رفع قيمتها
واستحسنه، وفيه نظر إن كان أراد أن هذه الصورة مراد الحديث خاصة، وإن أراد أن هذا من
صور الصدقة المخفية فسلم والله أعلم.
قوله: (ذكر الله)
أي بقلبه من التذكر أو بلسانه من الذكر، و (خاليا) أي من الخلو لأنه يكون حينئذ أبعد
من الرياء والمراد خاليا من الالتفات إلى غير الله ولو كان في ملأ، ويؤيده رواية البيهقي
" ذكر الله بين يديه " ويؤيد الأول رواية ابن المبارك وحماد بن زيد
" ذكر الله في خلاء " أي في موضع خال وهي أصح.
مسألة
هل فاضت عيناه مطلقة أم مقيدة ؟
قوله: (ففاضت عيناه)
أي فاضت الدموع من عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة كأنها هي التي فاضت، قال القرطبي:
وفيض العين بحسب حال الذاكر وبحسب ما يكشف له، ففي حال أوصاف الجلال يكون البكاء من
خشية الله، وفي حال أوصاف الجمال يكون البكاء من الشوق إليه.
قلت: قد خص في بعض
الروايات بالأول، ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي " ففاضت عيناه من خشية الله
" ونحوه في رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم من حديث أنس مرفوعا
" من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم
القيامة".
مسألة
هل ذكر الرجال له مفهوم ؟
( تنبيهان) : (الأول)
ذكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر، إلا إن كان المراد
بالإمام العادل الإمامة العظمى، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم.
وتخرج خصلة ملازمة
المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن،
حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلا فامتنعت خوفا
من الله تعالى مع حاجتها، أو شاب جميل دعاه ملك إلى أن يزوجه ابنته مثلا فخشي أن يرتكب
منه الفاحشة فامتنع مع حاجته إليه.
(الثاني) استوعبت
شرح هذا الحديث هنا وإن كان مخالفا لما شرطت لأن أليق المواضع به كتاب الرقاق، وقد
اختصرها المصنف حيث أورده فيه، وساقه تاما في الزكاة والحدود، فاستوفيته هنا لأن للأولية
وجها من الأولوية.
الحديث
السادس عشر :
قال الإمام مسلم
: حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا وكيع عن زكرياء
بن أبى زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك
واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء ).
قال زكرياء قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة
. زاد قتيبة قال
وكيع انتقاص الماء يعنى الاستنجاء . تحفة 16188 - 261/56 ( الشرح من إكمال المعلم
)
مسألة
مالمقصود بالفطرة ؟
وقوله:
" خمس من الفطرة " وفى الحديث الآخر: " عشر "
الفطرة
هاهنا: السنة، قاله الخطابى،
قال:
ومعناه: إن هذه الخصال من سنن الأنبياء،
وقد
قيل عن ابن عباس فى قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
فَاَتمَّهُنَّ} (1) قال: أمره بعشر خصالٍ ثم عدَّهنَّ نحو ما فى الحديث، فلما
فعلهُن قال: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (2) ليُقتَدى بك، ويقال:
كانت عليه فرضًا ولنا سُنةً،
مسألة ما توجيه كونها وردة خمساً وهنا عشرا ؟ وهل هناك
مذكورات في الخمس لم يذكرهن في حديث العشر؟
وجاء
بعد هذا عشر من الفطرة، فلعل قوله هذا بعد الأول، فكانت السُنن تزيد شيئًا بعد
شىء، وكذلك الفرائض، ولم يذكر فى حديث العشر هنا الختان من جملة الخمس المذكورة فى
الحديث الآخر، قال زكريا بن أبى زائدة راوى الحديث: " ونسيتُ العاشرة إِلَّا
أن يكون المضمضة ".
قال القاضى: ولعلها
الختان المذكور مع الخمس وهو أولى،
وفى رواية عمار
بن ياسر نحوها فى الأم، ولم يذكر فيها إعفاء اللحى، وزاد الاختتان، وذكر المضمضة
والاستنشاق، فيكون على هذا إعفاء اللحية وقص الشارب كالسنة الواحدة إذ هو كالعضو
الواحد. وذكر الانتضاح مكان انتقاص الماء وهو بمعنى غسْله.
مسألة
ما التوقيت في أمور الفطرة ؟
وقول
أنسٍ: " وقَّتَ لنا فى قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة
إِلَّا نترك ذلك أكثر من أربعين يوماً "
قال
العُقَيلى: فى حديث جعفر نظر، قال أبو عمر: لم يروه إِلَّا جعفر بن سليمان ، وليس
بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه.
قال
القاضى: وما فى الحديث إنما هو حد فى أكثر ذلك، والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة
وإلا فلا تحديد فيه عند العلماءِ، إِلَّا أنه إذا كثر ذلك وطال من شارب أو شعر إبط
قصَّه وأزاله.
مسألة ما صفة حف الشارب ؟ وما الألفاظ في ذلك ؟
وقوله:
" أحفوا الشوارب " بألفٍ مهموزةٍ ، وأمر بإحفاء الشوارب، قال الهروى: أى يلزق
جَزَّها، قال الخطابى: ويكون بمعنى الاستقصاء يقال: أحفى شاربه ورأسه ،
قال
ابنُ دريد: يقال: حفا شاربة يحفوه حفوًا إذا استأصل أخذ شعره، ومنه قوله: "
أحفوا الشوارب ".
ذكر
مسلم فى حديث أبى هريرة: " جُزوا الشوارب "، كذا عند شيوخنا،
ووقع عند بعضهم: " خذوا الشوارب " ومعنى ذلك عند مالك: قصُّهُ، كم جاء
فى الحديث الآخر:
"وقصُ الشارب"، وفى البخارى: " أنهكوا الشوارب "
، وقد تأول على الوجهين على المبالغة وترك
المبالغة.
وقوله:
" واعفوا اللحى " وفى رواية: " أوفوا اللحى "
وهما بمعنى، أى اتركوها حتى تكثر وتطول.
قال
القاضى: وذكر مسلم فى حديث أبى هريرة: " أرخوا اللحى "، كذا عند
أكثر شيوخنا، ولابن ماهان: " أرجوا " بالجيم، قيل: معناه:
أخِروا، وأصله أرْجؤوا، فَسُهِّلَت الهمزةُ بالحذف، وكان معناه: اتركوا فيها فعلكم
بالشوارب، وكله من معنى ما تقدم، وفى البخارى: " وفّرُوا اللحى "
.
قال
الإمام: قال أبو عُبيد فى إعفاء اللِّحى: هو أن تُوفَّرَ وتُكْثَر، يقال: عفا
الشىء إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا وعفا إذا درسَ، وهو من الأضداد، ومنه الحديث:
" فعلى الدنيا العفاء " : أى
الدروس ويقال: التراب.
قال
القاضى: يقال: عفوتُ الشَّعْرَ وأعفيتُه لغتان، وكُرِه قَصُّها وحلقُها وتحريقُها،
وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك، وسُنَّةُ بعض الأعاجم حلقُها وجزُها وتوفير الشوارب،
وهى كانت سبرةُ الفرس ،
ما حكم الأخذ من طولها وعرضها في رأي صاحب إكمال المعلم ؟
وأما
الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرةُ فى تعظيمها وتحليتها كما تُكره فى
قصِّها وجزّها،
وقد
اختلف السلف هل لذلك حَدٌّ؟
فمنهم
من لم يُحدِّد إِلَّا أنه لم يتركها لحدِّ الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها
جدًا،
ومنهم
من حدَّد، فما زاد على القبضةِ فيزال،
ومنهم
من كره الأخذ منها إِلَّا فى حجٍّ أو عُمرةٍ،
مسألة ما الأقوال في حلق الشاب ؟
- وأمَّا
الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله: " احفوا "، و
" انهكوا "، وهو قول الكوفيين،
- وذهب
كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصالِ، وقاله مالك، وكان يرى حلقَه مُثَلةً ويأمُرُ
بأدب فاعله، وكان يكرَه أن يأخُذَ من أعلاه،
ويذهب
هؤلاء إلى أن الإحفاء والجزَّ والقصَ بمعنى واحد، وأنه الأخذ منه حتى يبدُو
الإطارُ، وهو طرفُ الشفةِ، وذهب بعض العلماء إلى التخيير فى الفعلين .
والبراجم
مفاصل الأصابع، وقد تقدَّم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بغسل ما يجتمع
على الجلد المتُشنّج هنالك من الأوساخ لتغَضُنِها،
وفسَّر وكيع انتقاص الماء بالاستنجاء، وقال أبو عبيدٍ فى معناه: انتقاص البول
بالماء إذا غَسَلَ مذاكيره به وقيل: هو الانتضاح به.
قال
الإمام: قال الهروى: الاستحداد حلق العانة بالحديد .
قال
القاضى: جاء فى الرواية الأخرى مفسَّرًا.
مسألة ما الأقوال في حكم الختان ؟ وما دليل من قال بالوجوب
؟
- وقوله: "
والاختتان " هو عند مالك وعامة الفقهاء سنةٌ ، وقِرانِه مع هذه السُنن وعدّه فى الفطرة حجةً
لنا على من يحتج بالقرائن، وهو هنا أجرى، لنصِّه عليها أنها من الفطرة أجمع، وفيه
حجةً - أيضاً - لمن لا يرى المضمضة والاستنشاق واجبتين لما ذكرنا، وقد ذكر عنه
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الختان سنةً "،
وذهب الشافعى
إلى وجوب ذلك،
وهو مقتضى قول سُحنون ، واحتج ابن سريج عليه بالإجماع على ستر العورة وتحريم النظر
إليها، قال: فلولا أن الختان فرض لما أبيح النظر إلى عورة المختون ولا انتُهك هذا
المحرَّم. وقد يجاب عن هذا بأن مثل هذا يُباح لمصلحة الجسم ونظر الطَبيب ومعاناة
ذلك الموضع، وليس الطبُّ بواجب إجماعًا فما فيه مصلحة دينه وتمام فطرته وشعار ملته
أولى بذلك.
الحديث
السابع عشر :
1462 - مالك عن بن شِهَابٍ
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ
مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ
مَالِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا) فَقُلْتُ فَالشَّطْرُ
قَالَ (لَا) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثلث
وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَذَرَ (1) وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ
تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي
بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ)
قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا
صَالِحًا إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى
يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي
هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ
خَوْلَةَ يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ
بِمَكَّةَ)
شرحه من الاستذكار
:
قَالَ ابو عمر هكذا
قال جماعة اصحاب بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوداع كما قال مالك الا بن عُيَيْنَةَ
فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَامَ الْفَتْحِ فَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صحة اسناده
مسألة انعقاد الإجماع في حرمة الوصية بأكثر من الثلث . وما
حكم عطايا من مرض الموت إذا زادت عن الثلث ؟
وَاتَّفَقَ أَهْلُ
الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ
مِنْ ثُلُثِهِ
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا لِلْمَرِيضِ أَنْ يَفْعَلَهُ
فِي مَالِهِ مِنَ الْعَطَايَا الْمُقْبِلَةِ غَيْرِ الْوَصِيَّةِ ؟
1- فَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ فِيمَا يَتَصَدَّقُ
بِهِ وَيُعْتِقُ وَيَهَبُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ كُلَّهَا فِي ثُلُثِهِ
كَالْوَصَايَا
وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ
هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ صِحَّتِهِ لَمْ يَقُلْ فيه بن شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ
أَفَأُوصِي وَإِنَّمَا قَالَ أَفَأَتَصَدَّقُ وَلَمْ يُجِزْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَّا الثلث كالوصية المجتمع
عليها
وبن شِهَابٍ حَافِظٌ
غَيْرُ مُدَافَعٍ فِي حِفْظِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَقَدْ قَالَ فِيهِ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ
أَفَأُوصِي وَكَذَلِكَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَفَأُوصِي وَسَاقُوا
الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حديث بن شِهَابٍ سَوَاءً
وَلَمْ يُخْتَلَفْ
فِي ذَلِكَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ
2- وَقَدْ قَالَ بِأَنَّ هِبَةَ الْمَرِيضِ إِذَا قُبِضَتْ مِنْ
رَأْسِ مَالِهِ إِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ وَدَاوُدُ
وَأَمَّا جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى بِالْأَمْصَارِ فَقَالُوا هِبَةُ الْمَرِيضِ
قُبِضَتْ أَوْ لَمْ تُقْبَضْ إِذَا مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ
كَالْوَصَايَا وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي
أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَأَقْرَعُ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ
وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً فَأَمْضَى لَهُ مِنْ مَالِهِ ثُلُثَهُ وَرَدَّ سَائِرَ مَالِهِ
مِيرَاثًا
وَهَذَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَأَجْمَعُ عُلَمَاءُ
الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا مَاتَ عَنْ بَنِينَ أَوْ عَنْ كَلَالَةٍ تَرِثُهُ
أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ
مسألة إذا لم يترك من يرثه فما حكم الوصية بأكثر من الثلث ؟
وَاخْتَلَفُوا إِذَا
لم يترك بنين ولا عصبة
1- فقال بن
مَسْعُودٍ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ راهويه
وقد ذكرنا الاثار عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَعُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ فِي (التَّمْهِيدِ)
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَشَرِيكٌ
الْقَاضِي إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ
أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَنِ الثُّلُثِ فِي الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنْ
يَدَعَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ وَمَنْ كَانَ مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَلَيْسَ مِمَّنْ
عُنِيَ بِالْحَدِيثِ وَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ
2- وَقَالَ
زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ
كَانَ لَهُ بَنُونَ أَوْ وُرِثَ كَلَالَةً أَوْ وَرِثَهُ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ
وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
.
قَالَ أَبُو عُمَرَ
مَا يُصْرَفُ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ
وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا اسْتَحَقَّهُ الرَّجُلُ وَابْنُهُ وَلَا مَنْ يُحْجَبُ مَعَ
مَنْ يَحْجُبُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَالٍ لَا مَالِكَ لَهُ مَصْرُوفٌ إِلَى نَظَرِ
السُّلْطَانِ يَصْرِفُهُ حَيْثُ يَرَاهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَصَالِحِهِمْ
مسألة هل تصح الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة ؟
1- أَجْمَعَ
جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنَ
الثُّلُثِ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ
بِالْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ
2- شَذَّتْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ فَلَمْ يُجِيزُوا الْوَصِيَّةَ
بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَقَالُوا لَيْسَ
لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا لِلْمُوصِي ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يُعْطُوا الْمُوصَى لَهُ مِنْ
فَرَائِضِهِمْ وَسَائِرِ اموالهم ما شاؤوا .
مسألة هل الوصية بالثلث مستحبة أم بما هو أقل من الثلث ؟
1- كَرِهَ الْجَمَاعَةُ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَصِيَّةَ فِي الثلث لمن يرثه ذريته واستحبت منهم
جماعة الوصية بالخمس وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ رَضِيتُ فِي وَصِيَّتِي بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ لِنَفْسِهِ
يَعْنِي مِنَ الْغَنِيمَةِ
وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ وَأَبَا قِلَابَةَ يَقُولَانِ أَوْصَى أَبُو
بَكْرٍ بِالْخُمُسِ
2- وَاسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ الْوَصِيَّةَ بِالرُّبُعِ رُوِيَ ذَلِكَ عن
بن عَبَّاسٍ
وَقَالَ إِسْحَاقُ
بْنُ رَاهْوَيْهِ السُّنَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ الرُّبُعُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الثُّلُثُ كَثِيرٌ) إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ
يَعْرِفُ فِي مَالِهِ شُبُهَاتٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ
3- اسْتَحَبَّتْ طَائِفَةٌ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ لِمَا رُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى
جَعَلَ لَكُمْ فِي الْوَصِيَّةِ ثُلُثَ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ
)
رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ فِيهَا لِينٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي (التَّمْهِيدِ)
مِنْهَا مَا رواه وكيع وبن وَهْبٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ
عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ
لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ مُجْتَمَعٌ
على ضعفه .
والصحيح عن بن عَبَّاسٍ
مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ قال بن عَبَّاسٍ لَوْ غَضَّ النَّاسُ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى الرُّبُعِ
فِي الْوَصِيَّةِ لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال (الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ)
قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا
جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ أَرْضَى فِي وَصِيَّتِي
بِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْخُمُسِ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي خُمُسَ الْفَيْءِ
لقوله (فان لله خمسه) الاية الْأَنْفَالِ 41
وَقَالَ قَتَادَةُ
الثُّلُثُ كَثِيرٌ وَالْقُضَاةُ يُجِيزُونَهُ وَالرُّبُعُ قَصْدٌ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ
بِالْخُمُسِ
وَقَالَ بن سِيرِينَ
الثُّلُثُ جَهْدٌ وَهُوَ جَائِزٌ
وَقَالَ قَتَادَةُ
أَوْصَى عُمَرُ بِالرُّبُعِ وَأَوْصَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخُمُسِ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
كَانَ الْخُمُسُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الرُّبُعِ وَالرُّبُعُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ
مِنَ الثُّلُثِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا
الْأَسَانِيدَ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فِي (التَّمْهِيدِ)
مسائل متفرقة في الحديث .
·
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
أَيْضًا عِيَادَةُ الْعَالِمِ وَالْخَلِيفَةِ وَسَائِرِ الْجِلَّةِ لِلْمَرِيضِ
·
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّ الْأَعْمَالَ لَا يَزْكُو مِنْهَا إِلَّا مَا أُرِيدَ به وجه الله تعالى لقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا
وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا)
·
وَفِيهِ أَنَّ النَّفَقَةَ
عَلَى الْبَنِينِ وَالزَّوْجَاتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الزَّاكِيَاتِ الصَّالِحَاتِ
·
وَأَنَّ تَرْكَ الْمَالِ
لِلْوَرَثَةِ إِذَا كَانَ فَضْلًا أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ بِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ
تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)
وَأَمَّا قَوْلُ سَعْدٍ
(أَأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي) فَمَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَأُخَلَّفُ
بِمَكَّةَ بَعْدَ أَصْحَابِي الْمُهَاجِرِينَ الْمُتَصَدِّقِينَ مَعَكَ إِلَى الْمَدِينَةِ
دَارِ الْهِجْرَةِ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا وَإِشْفَاقًا مِنْ بَقَائِهِ فِي مَوْضِعٍ
قَدْ هَجَرَهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَأَمَّا جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِقَوْلِهِ (إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا
إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً) فَلَمْ يَخْرُجْ عَلَى كَلَامِهِ وَإِنَّمَا
خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْغَيْبَ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ وَلَكِنَّ مَنْ
خُلِّفَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَعَتْ بِهِ دَرَجَتُهُ .
مسألة ما في قوله صلى الله عليه وسلم من أعلام النبوة .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
(وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ)
فَهَذَا مِنْ ظُنُونِهِ الصَّادِقَةِ الَّتِي كَانَ كَثِيرًا مِنْهَا يَقِينًا فَقَدْ
خُلِّفَ سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى انْتَفَعَ بِهِ اقوام وهلك به اخرون
روى بن وَهْبٍ عَنْ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ سَأَلْتُ عَامِرِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِسَعْدٍ (وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ
أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ) فَقَالَ أُمِّرَ سَعْدٌ عَلَى الْعِرَاقِ فَقَتَلَ
قَوْمًا عَلَى رِدَّةٍ فَأَضَرَّ بِهِمْ وَاسْتَتَابَ قَوْمًا سَجَعُوا سَجْعَ مُسَيْلِمَةَ
فَتَابُوا فَانْتَفَعُوا
قَالَ أَبُو عُمَرَ
أَمَّرَهُ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الْكُوفَةِ عَلَى حَرْبِ الْقَادِسِيَّةِ
وَعَمَّرَ سعد بعد حجة الوداع خمس واربعون سَنَةً وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ
.
مسألة ما حكم الرجوع إلى الوطن إذا صار موطن إسلام . لمن
هاجر منه لله وهل هي خاصة لأهل مكة أو لمن
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ
عَلَى أَعْقَابِهِمْ) فَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ لَهُمْ فِي أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ هِجْرَتَهُمْ
سَالِمَةً مِنْ آفَاتِ الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِجْرَتِهِ إِلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى هِجْرَتِهِمْ تِلْكَ وَكَانُوا يَسْتَعِيذُونَ
بِاللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعُودُوا كَالْأَعْرَابِ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ لِأَنَّ الْأَعْرَابَ
لَمْ يُتَعَبَّدُوا بِالْهِجْرَةِ الَّتِي كَانَ يَحْرُمُ بِهَا عَلَى الْمُهَاجِرِ
الرُّجُوعُ إِلَى وَطَنِهِ وَلَمْ تَكُنِ الْهِجْرَةُ (مُقْتَصَرَةٌ) فِي تَرْكِ الْوَطَنِ
وَتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ
إِلَّا عَلَى أَهْلِ
مَكَّةَ خَاصَّةً الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ أَهْلِهَا وَاتَّبَعُوهُ لِيَتِمَّ لَهُمْ
بِالْهِجْرَةِ الْغَايَةُ مِنَ الْفَضْلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُمْ فَعَلَيْهِمْ
خَاصَّةٌ افْتُرِضَتِ الهجرة المفترض فيها البقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ
اسْتَقَرَّ وَالتَّحَوُّلُ مَعَهُ حَيْثُ تَحَوَّلَ لِنُصْرَتِهِ وَمُؤَازَرَتِهِ
وَصُحْبَتِهِ وَالْحِفْظِ لِمَا يَشْرَعُهُ وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُ
وَلَمْ يُرَخَّصْ
لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْوَطَنِ وَتَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ لِأَنَّ هِجْرَةَ دَارِ الْكُفْرِ
حَيْثُ كَانَتْ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مَنْ آمَنُ أَنْ يَهْجُرَ دَارَ
الْكُفْرِ لِئَلَّا تَجْرِيَ عَلَيْهِ فِيهَا أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ وَحَرُمَ عَلَيْهِ
الْمُقَامُ حَيْثُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مَعَ
الْمُشْرِكِينَ) فَلَمْ يُحَرِّمْ فِي هِجْرَتِهِ هَذِهِ حَالَةَ الرُّجُوعِ إِلَى
الْوَطَنِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ إِذَا عَادَتْ تِلْكَ الدَّارُ دَارَ إِيمَانٍ وَإِسْلَامٍ
وَلَيْسَ أَهْلُ مَكَّةَ
كَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَاقِيَةً إِلَى الْمَمَاتِ وَهُمُ
الَّذِينَ أُطْلِقَ عَلَيْهِمُ الْمُهَاجِرُونَ وَمُدِحُوا بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ
أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَرْخَصُ
لِلْمُهَاجِرِ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ تَمَامِ نُسُكِهِ
وَحَجِّهِ رَوَاهُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
عُثْمَانَ الْأَعْنَاقِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَيْلِيُّ
قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ خَلَّفَ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَعْدٍ رَجُلًا وَقَالَ لَهُ (إِنْ مَاتَ
بِمَكَّةَ فَلَا تَدْفِنْهُ بِهَا) قَالَ سُفْيَانُ لِأَنَّهُ كان مهاجرا
وعن بن عُيَيْنَةَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ
سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ
يَمُوتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا قَالَ (نَعَمْ
وَرَوَى عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عن ابيه عن بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ
مَنَايَانَا بِهَا) لِأَنَّهُ كَانَ مُهَاجِرًا
وَقَالَ فُضَيْلُ
بْنُ مَرْزُوقٍ سَأَلْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ عَنِ الْمُقَامِ وَالْجِوَارِ بِمَكَّةَ
فَقَالَ أَمَّا الْمُهَاجِرُ فَلَا يُقِيمُ بِهَا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا كُرِهَ
لَهُ الْمُقَامُ بِمَكَّةَ خَشْيَةَ أَنْ يَكْثُرَ النَّاسُ بِهَا فَتَغْلُوا أَسْعَارُ
أَهْلِهَا
وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ
بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الْحَدِيثِ
الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي
أَخَافُ أَوْ قَالَ إِنِّي أَرْهَبُ أَنْ أَمُوتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْتُ
مِنْهَا فَادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) أَنَّ مَعْنَاهُ لَا هِجْرَةَ تُبْتَدَأُ بَعْدَ الْفَتْحِ
مُفْتَرَضَةٌ لَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ
ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)
مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ صِحَاحٍ كُلِّهَا وَفِي بَعْضِهَا (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ
وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ
(الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ)
وَقَالَ لِبَعْضِهِمْ
إِذْ سَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَآتِ الزَّكَاةَ وَمَا افْتَرَضَ
اللَّهُ عَلَيْكَ وَاجْتَنِبْ مَا نَهَاكَ عَنْهُ وَاسْكُنْ مِنْ أَرْضِ قَوْمِكَ حَيْثُ
شِئْتَ)
قَالَ أَبُو عُمَرَ
فَهَذِهِ الْهِجْرَةُ الْمُفْتَرَضَةُ الْبَاقِيَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا
أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ بِهِجْرَتِهِمْ
حَرَامٌ عَلَيْهِمْ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَدِينَةِ
وَالرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ أَبَدًا
أَلَا تَرَى أَنَّ
عُثْمَانَ وَغَيْرَهُ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَا يَطُوفُونَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إِلَّا
وَرَوَاحِلُهُمْ قَدْ رُحِّلَتْ
وَهَذَا إِنَّمَا
كَانَ عَلَيْهِمْ مَا كان صلى الله عليه وسلم حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمَّا
مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ
بِمَوْتِهِ فَافْتَرَقُوا فِي الْبُلْدَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ
حَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي جَرِيرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عن
ابيه فذكر معنى حديث بن شِهَابٍ
مسألة ما توجيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق سعد بن
خولة رضي الله عنه الْبَائِسَ ومتى كان موته .
وَفِيهِ (لَكِنَّ
سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ الْبَائِسَ قَدْ مَاتَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي قَدْ هَاجَرَ مِنْهَا)
قَالَ أَبُو عُمَرَ
مَا قَالَهُ شُيُوخُنَا في حديث بن شِهَابٍ (يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) مِنْ كَلَامِ بن شِهَابٍ صَحِيحٌ
وَمَعْلُومٌ بِمَا
ذَكَرْنَا مِنَ الْآثَارِ أَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ (الْبَائِسَ) إِنَّمَا كَانَ رُثِيَ بِذَلِكَ لِمَوْتِهِ
بِمَكَّةَ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ وَاخْتَارَ التَّوَدُّدَ بِهَا حَتَّى
أَدْرَكَتْهُ فِيهَا مَنِيَّتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ
مَوْتُهُ بِمَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
حَدَّثَنِي خَلَفُ
بْنُ قَاسِمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَابِرٍ قَالَا
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ قَالَ أَبُو عُمَرَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ بَدْرِيٌّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
بِمَا يَنْبَغِي مِنْ ذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
مسألة إذا أوصى بخدمة عبده لشخص حتى يموت .
قَالَ مَالِكٌ فِي
الرَّجُلِ يُوصِي بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ وَيَقُولُ غُلَامِي يَخْدِمُ فُلَانًا
مَا عَاشَ ثُمَّ هُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَيُوجَدُ الْعَبْدُ ثُلُثَ مَالِ
الْمَيِّتِ قَالَ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ تُقَوَّمُ ثُمَّ يَتَحَاصَّانِ يُحَاصُّ
الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ بِثُلُثِهِ وَيُحَاصُّ الَّذِي أُوصِيَ لَهُ بِخِدْمَةِ
الْعَبْدِ بِمَا قُوِّمَ لَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ إِجَارَتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ إِجَارَةٌ بِقَدْرِ
حِصَّتِهِ فَإِذَا مَاتَ الَّذِي جُعِلَتْ لَهُ خِدْمَةُ الْعَبْدِ مَا عَاشَ عَتَقَ
الْعَبْدُ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيمَا زَادَ مِنَ الْوَصَايَا
عَلَى الثُّلُثِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ
عِنْدَ جُمْهُورِ
الْعُلَمَاءِ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ
مسألة الوصية بالمنافع ما القول فيها ؟
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ
بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَغَلَّةِ الْبَسَاتِينِ وَسُكْنَى الْمَسَاكِينِ فَقَدِ اخْتَلَفَ
الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ
1- فَقَالَ
مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَسَوَّارٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ ابْنَا الْحَسَنِ قَاضِيَا الْبَصْرَةِ
الْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَغَلَّةِ الْبَسَاتِينِ فِيمَا يُسْتَأْذَنُ وَخِدْمَةُ
الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتِ الثُّلُثَ أَوْ أَقَلَّ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ
عَلَى الثُّلُثِ مِنْ ذلك اذا اجازه الورثة
2- وقال بن
ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزَةٍ
وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنَافِعٌ طَارِئَةٌ عَلَى
مِلْكِ الْوَارِثِ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ .
[ واستدلوا على البطلان ]
وَقَدْ أَجْمَعُوا
أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ وَمَاتَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ
بَاطِلٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَهِيَ فِي غَيْرِ
مِلْكِهِ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الْإِجَارَةَ يَمْلِكُ الْمُؤَاجِرُ
بِهَا الْبَدَلَ مِنْ مَنَافِعِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ
لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ عَلَى مِلْكِهِ كُلُّ مَا يَطْرَأُ مِنَ الْمَنَافِعِ مَا دَامَ
الْأَصْلُ فِي مِلْكِهِ وَكَانَ حَيًّا وَلَيْسَ الْمَيِّتُ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ
ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ طَارِئَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ .
وَأَمَّا الْأَوْقَافُ فَإِنَّ السُّنَّةَ أَجَازَتْهَا بِخُرُوجِ مِلْكِ أَصْلِهَا
عَنِ الْمُوقِفِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِيَتَحَرَّى عَلَيْهَا فِيمَا
يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَيْسَتِ الْمَنَافِعُ فِيهَا طَارِئَةً عَلَى مِلْكِ الْمُوقِفِ
لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَمْلِكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ
إِنَّ أُصُولَ الْأَوْقَافِ عَلَى مِلْكِ الْمُوقِفِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ {صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنْقَطِعُ عَمَلُ الْمَرْءِ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ)
فَذَكَرَ مِنْهَا صَدَقَةً يَجْرِي عَلَيْهِ نَفْعُهَا
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْأَجْرَ الَّذِي يَنَالُهُ الْمَيِّتُ فِيمَا يُوقِفُهُ مِنْ
أُصُولِ مَالِهِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أَصْلَهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى اللَّهِ
تَعَالَى فَبِذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ كَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعَمِلَ
بِهَا غَيْرُهُ .
مسألة إذا أوصى بفرع شيء ولم يوص بأصله ؟
أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
قَالَ قَالَ بن شبرمة وبن ابي لَيْلَى مَنْ أَوْصَى بِفَرْعِ شَيْءٍ وَلَمْ يُوصِ بِأَصْلِهِ
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ
قَوْلُ بن ابي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَمَنْ تَابَعَهُمَا قَوْلٌ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ
وَالْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ .
مسألة إذا قال الورثة أن الوصية تزيد عن الثلث .
1- قَالَ مَالِكٌ
فِي الَّذِي يُوصِي فِي ثُلُثِهِ فَيَقُولُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا وَلِفُلَانٍ
كَذَا وَكَذَا يُسَمِّي مَالًا مِنْ مَالِهِ فَيَقُولُ وَرَثَتُهُ قَدْ زَادَ عَلَى
ثُلُثِهِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعْطُوا أَهْلَ الْوَصَايَا
وَصَايَاهُمْ وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ مَالِ الْمَيِّتِ وَبَيْنَ أَنْ يُقَسِّمُوا لِأَهْلِ
الْوَصَايَا ثُلُثَ مَالِ الْمَيِّتِ فَيُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ ثُلُثَهُ فَتَكُونُ
حُقُوقُهُمْ فِيهِ إِنْ أَرَادُوا بَالِغًا مَا بَلَغَ قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ
مَعْرُوفَةٌ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابُهَا يَدْعُونَهَا مَسْأَلَةَ خَلْعِ الثُّلُثِ .
2- وَخَالَفَهُمْ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ
وَدَاوُدُ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَنْكَرُوهَا عَلَى مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَدْ أَجْمَعُوا
أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ إِيَّاهَا
بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ لِلشَّيْءِ الْمُوصَى
بِهِ فَكَيْفَ تَجُوزُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ بِثُلُثٍ لَا يَبْلُغُ إِلَّا مَعْرِفَتَهُ
وَلَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْبِيَاعَاتُ
وَالْمُعَاوَضَاتُ فِي الْمَجْهُولَاتِ .
وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِلْكُ مَالِكٍ
إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُوصَى لَهُ مَا قَدْ مَلَكَهُ
بِمَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ لَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ
وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ
أَنَّ الثُّلُثَ مَوْضِعٌ لِلْوَصَايَا فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُخْرِجُوا
مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ تَعَدَّى فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ
خُيِّرُوا بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمُوا لِلْمُوَصَّى لَهُ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ
لَهُمْ أَوْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ ثُلُثَ الْمَيِّتِ كَمَا لَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً
قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَالْعَبْدُ قِيمَتُهُ أَلْفٌ كَانَ سَيِّدُهُ مُخَيَّرًا
بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَى
الْعَبْدِ سَبِيلٌ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ الْعَبْدَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي
أَضْعَافَ قِيمَةِ الْجِنَايَةِ .
3- قَالَ أَبُو
عُمَرَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّ الْوَرَثَةَ إِذَا ادَّعَوْا أَنَّ الشَّيْءَ الْمُوصَى
بِهِ أَكْثَرُ مِنَ الثُّلُثِ كُلِّفُوا بَيَانَ ذَلِكَ فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ
وَكَانَ كَمَا ذَكَرُوا أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ من الموصى له قدر ثُلُثَ
مَالِ الْمَيِّتِ وَكَانَ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثَ
فَأَقَلَّ أُجْبِرُوا عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ
وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
لَا شَرِيكَ لَهُ .
تم الحديث السابع
عشر .
الحديث الثامن عشر :
967 - حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ
الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: «إِنَّ المُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ المُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ
الجَنَّةِ» وَفِي البَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى، وَالبَرَاءِ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ: «حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ» وَرَوَى
أَبُو غِفَارٍ، وَعَاصِمٌ الأَحْوَلُ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ
أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ: «مَنْ رَوَى
هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ فَهُوَ أَصَحُّ»،
قَالَ مُحَمَّدٌ: «وَأَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ إِنَّمَا هِيَ، عَنْ أَبِي
أَسْمَاءَ إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ فَهُوَ عِنْدِي عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ
أَبِي أَسْمَاءَ».
قَوْلُهُ (هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ
هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي
صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ) أَيْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ الْجَارُودَ وَهُوَ الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ
السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ شَيْخُ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ ثِقَةٌ مِنَ
الْعَاشِرَةِ (يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا) هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ
الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التاسعة (أنه) أي وكيعا
مَا جَاءَ فِي
عِيَادَةِ الْمَرِيضِ قَوْلُهُ (عَنْ
أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ
عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ
قَوْلُهُ (لَمْ
يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ) زَادَ مُسْلِمٌ حَتَّى يَرْجِعَ والْخُرْفَةُ
بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي
غَرِيبِهِ الْخُرْفَةُ مَا يُخْتَرَف مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرِكُ ثَمَرُهُ .
قَالَ أبو بكر بن
الأنياري شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا
يُحْرِزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يُحْرِزُ الْمُخْتَرِفُ مِنَ
الثَّمَرِ وحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ
الطَّرِيقُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَرِيقٌ يُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ
كَذَا فِي قوت المغتذي وقال بن الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ
الْجَنَّةِ فَإِنَّ مَمْشَاهُ إِلَى الْمَرِيضِ لَمَّا كَانَ مِنَ الثَّوَابِ
عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَ الْخُطَا سَبَبًا إِلَى نَيْلِ الدَّرَجَاتِ فِي النَّعِيمِ
الْمُقِيمِ عَبَّرَ بِهَا عَنْهَا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا مَجَازٌ انْتَهَى
قَوْلُهُ (وَفِي
الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ (وَالْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ)
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ
الدِّيلمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ أَفْضَلُ الْعِيَادَةِ أَجْرًا سُرْعَةُ
الْقِيَامِ مِنْ عِنْدِ الْمَرِيضِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ)
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ
(وَرَوَى أَبُو غِفَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ آخِرُهُ
رَاءٌ اسْمُهُ مُثَنَّى بْنُ سَعْدٍ أَوْ سَعِيدٌ الطَّائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ
مِنَ السَّادِسَةِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ (قَالَ)
أَيْ أَبُو عِيسَى (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ
رَحِمَهُ اللَّهُ (مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي
الأسماء فَهُوَ أَصَحُّ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي الأسماء بِحَذْفِ وَاسِطَةِ
أَبِي الْأَشْعَثِ (وَأَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ) أَيْ جَمِيعُ أَحَادِيثِهِ
غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (إِنَّمَا هِيَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِلَا
وَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ الْمَذْكُورَ (وَهُوَ
عِنْدِي عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِوَاسِطَةِ أَبِي
الْأَشْعَثِ فَمَنْ رَوَى هَكَذَا فَهُوَ أَصَحُّ
[968] (وَزَادَ
فِيهِ قِيلَ مَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ جَنَاهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ
قَالَ فِي
النِّهَايَةِ الْجَنَا اسْمُ مَا يُجْتَنَى مِنَ الثَّمَرِ وَيُجْمَعُ الْجَنَا
عَلَى أَجْنٍ مِثْلُ عَصًى وَأَعْصٍ انْتَهَى
[969] قَوْلُهُ
(عَنْ ثُوَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مصغرا بن فَاخِتَةَ بِمُعْجَمَةٍ
مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ
الْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ
أَبِيهِ) سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو فَاخِتَةَ
الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (أَخَذَ
عَلِيٌّ) أَيْ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (إلى الحسن) أي
بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (غُدْوَةً) بِضَمِّ الْغَيْنِ مَا
بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدْوَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كذا قاله بن الْمَلِكِ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ
(إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ (حَتَّى يُمْسِيَ) مِنَ
الْإِمْسَاءِ (وَإِنْ عَادَهُ) إِنْ نَافِيَةٌ بِدَلَالَةِ إِلَّا
وَلِمُقَابَلَتِهَا مَا (عَشِيَّةً) أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ أَوَّلَ
اللَّيْلِ (وَكَانَ لَهُ) أَيْ لِلْعَائِدِ (خَرِيفٌ) أَيْ بُسْتَانٌ وَهُوَ فِي
الْأَصْلِ الثَّمَرُ الْمُجْتَنَى أَوْ مَخْرُوفٌ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ فَعِيلٌ
بِمَعْنَى مَفْعُولٍ
قَوْلُهُ (هَذَا
حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَاسْمُ
أَبِي فَاخِتَةَ) هُوَ وَالِدُ ثُوَيْرٍ كَمَا عَرَفْتَ
فَائِدَةٌ قَالَ
أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ : تَكْرَارُ الْعِيَادَةِ سُنَّةٌ لِمَا كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
حِينَ ضَرَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ
وَيُعَادُ الْمَرِيضُ مِنْ كُلِّ أَلَمٍ دَقَّ أَوْ جَلَّ وَيُعَادُ مِنَ
الرَّمَدِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ عَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَمَدٍ أَصَابَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يُعَادُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ وَجَعِ
الضِّرْسِ وَلَا مِنَ الدُّمَّلِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى كَلَامُهُ
مُحَصَّلًا .
الحديث التاسع عشر :
6 - (بَاب ما جاء في مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
فَزَوِّجُوهُ)
1085 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ
البَلْخِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
هُرْمُزَ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَسَعِيدٍ، ابْنَيْ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ المُزَنِيِّ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكُمْ
مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ
فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ:
«إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ:
«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ المُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَا
نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ»
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْخُزَاعِيُّ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ
بَغْدَادَ ضَعِيفٌ مِنَ الثامنة (عن بن وثيمة) بفتح واو وكسر مثلثة وسكون ياه اسْمُهُ
زُفَرُ الدِّمَشْقِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ
قَوْلُهُ (إِذَا
خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ
وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ (دِينَهُ) أَيْ دِيَانَتَهُ
(وَخُلُقَهُ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ إِيَّاهَا (إِلَّا تَفْعَلُوا)
أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ
الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ (وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ ذُو عُرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ
وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ رُبَّمَا
يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نساء فيكثر
الافتتان بالزنى وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ
وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ
مسألة
القول بالكفاءة والخلاف فيها .
1- قَالَ الطِّيبِيُّ
وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ
إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ
2- ومَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُرَاعَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الدِّينُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالنَّسَبُ
وَالصَّنْعَةُ فَلَا تُزَوَّجُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ كَافِرٍ وَلَا الصَّالِحَةُ مِنْ
فَاسِقٍ وَلَا الْحُرَّةُ مِنْ عَبْدٍ وَلَا الْمَشْهُورَةُ النَّسَبِ مِنَ الْخَامِلِ
وَلَا بِنْتُ تَاجِرٍ أَوْ مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ طَيِّبَةٌ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ خَبِيثَةٌ
أَوْ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ
النِّكَاحُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ
الْمُزَنِيِّ) أَخْرَجَهُ الترمذي (وعائشة) أي أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ
وأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ
قَوْلُهُ (مُرْسَلًا)
أَيْ منقطعا بعدم ذكر بن وَثِيمَةَ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُعَدَّ حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
مَحْفُوظًا) لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ
[1085] قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ شَيْءٌ
مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ الْكَفَاءَةِ
قَوْلُهُ (هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزٍ
وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَأَيَّدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ
قَبْلَهُ
قَوْلُهُ (وَأَبُو
حَاتِمٍ الْمُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ) وَقِيلَ لَا صُحْبَةَ لَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ
تم لله الحمد
.... والله المتقبل 28/07/1435 هـ 03:00 ص