عمل السلف الصالح بخبر الواحد .
بعد أن أورد الأدلة من السنة على قبول خبر الوحد هذه الأدلة عن عمل
الصحابة بقبول خبر الواحد .
أولاً : عمل الصحابة بخبر الواحد الذي ثبت عدالته وصدقة :
أ- عمر رضي الله عنه وعمله بخبر الواحد : ( عن عدة أخبار منها
أخذ الجزية من المجوس بخبر عبدالرحمن بن عوف ورجوعه عن الشام بخبره ، وكذلك توريثة
المرأة من دية زوجها بخبر الواحد الضحاك بن سفيان وقضائه في دية الجنين بالغرة
بخبر حَمَلُ بن مالك بن النابغة ) وقد افرد في صفحة لنقاش طلبه من يعضد خبر
الواحد في بعض الأخبار
ب- عثمان رضي الله عنه عندما أخبرته الفُرَيْعةَ بنت مالك بن
سنانٍ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت زوجها الذي جاءها خبر
وفاته وهي فيه قضى به. وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار.
ت- ابن عباس رضي الله عنه
وزيد ابن ثابت رضي الله عنه : عن طاوسٍ قال: كنت مع ابن عباس إذ قال
له زيد بن ثابت: أَتُفتي أن تَصْدُِرَ الحائض قبل أن يكون آخرُ عهدها بالبيت؟ فقال
له ابن عباس: إما لى فاسأل فلانة
الأنصاريةهل أمرها بذلك النبي؟ فرجع زيد بن ثابت يضحك، ويقول ما أراك إلا قد صدقت.
عن ابن جريج أن طاوساً أخبره أنه سأل ابن عباس عن الرَّكعتين بعد
العصر؟ فنهاه عنهما قال طاوس: فقلت له: ما
أدعهما، فقال ابن عباس: {ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن
يكونَ لهم الخِيَرَةُ من أمرهم، ومَن يَعْصِ اللهَ ورسوله، فقد ضل ضلالاً مبيناً} -
فرأى ابن عباس الحجةَ قائمةً على طاوس
بخبره عن النبي، ودَلَّهُ بتلاوة كتاب الله على أن فرضاً عليه أن لا تكونَ له
الخِيَرَةُ إذا قضى الله ورسوله أمرًا.
ث- عبدالله بن عمر رضي الله عنه روى سفيان
عن عمرو عن ابن عمر قال: كنا نُخَابِرُ ولا نرى بذلك بأساً، حتى زعم رافع أن رسول
الله نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك. فابن عمر قد كان ينتفع بالمخابَرة، ويراها
حلالاً، ولم يتوسع، إذ أخبره واحد لا يتهمه عن رسول الله أنه نهى عنها: أن
يُخَابِرَ بعد خَبَرِهِ، ولا يستعملَ رأيه مع ما جاء عن رسول الله، ولا يقولَ: ما
عاب هذا علينا أحد، ونحن نعمل به إلى اليوم.
ج- أبو الدرداء رضي الله عنه: عن مالك
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سِقَايةً من ذهب أو
وَرِق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذا، فقال
معاوية: ما أرى بهذا بأساً! فقال أبو الدرداء: مَن يَعذِرُني من معاوية! أُخبره عن
رسول الله، ويخبرني عن رأيه؟! لا أساكنك بأرض. فرأى أبو الدرداء الحجة تقوم على
معاوية بخبره، ولما لم يَرَ ذلك معاوية فارق أبو الدرداء الأرض التي هو بها،
إعظاماً لِأَنْ تَرَكَ خبر ثقة عن النبي.
ح- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه لقي
رجلاً، فأخبره عن رسول الله شيئاً، فذكر الرجل خبراً يخالفه، فقال أبو سعيد: والله
لا آواني وإياك سقف بيت أبداً. قال "الشافعي": يرى أن ضَيِّقاً على
المخبر أن لا يقبل خبره، وقد ذكر خبراً يخالف خبرَ أبي سعيد عن النبي، ولكنْ في
خبره وجهان: أحدهما: يحتمل به خلافَ خبر أبي سعيد، والآخر: لا يحتمله.
نقاش حول عمر ....
فإن قال قائل: قد طلب عمر مع رجل أخبره خبراً آخر؟
قيل له لا يطلب عمر مع رجلٍ أَخبَرَه آخرَ إلا على أحد ثلاث معاني:
- إما أن يحتاط فيكونَ، وإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد، فخبر اثنين أكثر، وهو لا يزيدها إلا ثبوتًا
قيل له لا يطلب عمر مع رجلٍ أَخبَرَه آخرَ إلا على أحد ثلاث معاني:
- إما أن يحتاط فيكونَ، وإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد، فخبر اثنين أكثر، وهو لا يزيدها إلا ثبوتًا
- ويحتمل أن يكون لم يعرف المخبر فيقفَ عن خبره حتى يأتي مخبرٌ يعرفه.
وهكذا ممن أخبر ممن لا يُعرف لم يُقبل خبره. ولا يُقبل الخبر إلا عن معروف
بالاستئهال له، لأن يُقبل خبره.
- ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عندَه، فيَرُدُّ خبره حتى يجد غيره ممن يَقبل قولَه.
- ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عندَه، فيَرُدُّ خبره حتى يجد غيره ممن يَقبل قولَه.
فإن قال قائل: فإلى أي المعاني ذهب عندكم عمر؟
قلنا: أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط، لأن أبا موسى ثقة أمين عنده، إن شاء الله.
فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟
قلنا: قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم حديثَ أبي موسى، وأن عمر قال لأبي موسى: وأَمَا إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يَتَقَوَّلَ الناس على رسول الله.
فإن قال: هذا منقطع. فالحجة فيه ثابتة، لأنه لا يجوز على إمام في الدين - عمرَ ولا غيرِهِ -: أن يقبل خبر الواحد مرة، وقبولُه له لا يكون إلا بما تقوم به الحجة عنده، ثم يَرُدُّ مثله أخرى. ولا يجوز هذا على عالم عاقل أبداً، ولا يجوز على حاكم أن يقضي بشاهدين مرة، ويمنع بهما أخرى، إلا من جهة جَرحهما أو الجهالَةِ بِعَدلهما. وعمر غايةٌ في العلم والعقل والأمانة والفضل.
قلنا: أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط، لأن أبا موسى ثقة أمين عنده، إن شاء الله.
فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟
قلنا: قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم حديثَ أبي موسى، وأن عمر قال لأبي موسى: وأَمَا إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يَتَقَوَّلَ الناس على رسول الله.
فإن قال: هذا منقطع. فالحجة فيه ثابتة، لأنه لا يجوز على إمام في الدين - عمرَ ولا غيرِهِ -: أن يقبل خبر الواحد مرة، وقبولُه له لا يكون إلا بما تقوم به الحجة عنده، ثم يَرُدُّ مثله أخرى. ولا يجوز هذا على عالم عاقل أبداً، ولا يجوز على حاكم أن يقضي بشاهدين مرة، ويمنع بهما أخرى، إلا من جهة جَرحهما أو الجهالَةِ بِعَدلهما. وعمر غايةٌ في العلم والعقل والأمانة والفضل.
وفي كتاب الله تبارك وتعالى دليل على ما وصفتُ:
قال الله: {إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه} وقال: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه} وقال: وقال: {وإلى عاد أخاهم هوداً}
قال الله: {إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه} وقال: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه} وقال: وقال: {وإلى عاد أخاهم هوداً}
ثانياً : الأخبار عن التابعين في قبول خبر الواحد
أ- عمر بن عبد العزيز ابن حين
أخبر عن حديث ( الخراج بالضّمان) رجع عما قضى
به وقال : فما أَيسرَ عليَّ من قضاء قضيتُه، الله يعلم أني لم أُرد فيه إلا الحق،
فبلغتني فيه سنة رسول الله، فأَرُدُّ قضاء عمر وأُنَفِّذ سنة رسول الله.
ب- سعد بن إبراهيم عن بن أبي ذئب قال قضى سعد بن إبراهيم على رجل بقضية برأي ربيعة بن أبي
عبد الرحمن، فأخبرته عن النبي بخلاف ما قضى به، فقال سعد لربيعة: هذا بن أبي ذئب،
وهو عندي ثقة، يخبرني عن النبي بخلاف ما قضيتُ به؟ فقال له ربيعة: قد اجتهدتَ،
ومضى حكمك، فقال سعدٌ: واعَجَبَا! أُنْفذ قضاء سعد بن أم سعد وأردُّ قضاء رسول
الله؟! بل أرد قضاء سعد بن أم سعد وأنفذ قضاء رسول الله، فدعا سعد بكتاب القضية
فَشَقَّه وقضى للمقضيِّ عليه.
ت- ابن أبي ذئب قال
"الشافعي": أخبرني أبو حنيفة بن سمِاك بن الفضل الشهابي قال حدثني ابن
أبي ذئب عن المقْبُري عن أبي شريح الكعبي أن النبي قال عام الفتح: ((من قُتل له
قتيل فهو بخير النظرين: إن أحب أخَذَ العقلَ، وإن أحب فله القَوَدُ)) قال أبو
حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري، وصاح علي صياحاً
كثيراً، ونال مني، وقال: أحدثك عن رسول الله، وتقول تأخذ به؟! نعم آخذ به. وذلك
الفرض عليَّ، وعلى من سمعه، إن الله اختار محمداً من الناس، فهداهم به، وعلى يديه،
واختار لهم ما اختار له، وعلى لسانه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخِرين، لا
مَخرج لمسلم من ذلك. قال: وما سكت حتى تمنيت أن يسكت.
قال الشافعي :ولم يزل سبيل سلفنا والقرونِ بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل.
وكذلك حُكي لنا عمن حُكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان.
قال الشافعي :ولم يزل سبيل سلفنا والقرونِ بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل.
وكذلك حُكي لنا عمن حُكي لنا عنه من أهل العلم بالبلدان.
ث- سعيد ابن المسيب قال "الشافعي": وجدنا سعيدً بالمدينة
يقول: أخبرني أبو سعيد الخدري عن النبي في الصَّرف فَيُثَبِّت حديثه سنّةً. ويقول: حدثني أبو
هريرة عن النبي، فيُثَبت حديثه سنّةً، ويروي عن الواحد غيرهما فيثبت حديثه سنّةً.
ج- عروة بن الزبير : ووجدنا عروة يقول: حدثتني عائشة: ((أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان)) (3) فَيُثَبِّته سنَّة، ويروي عنها عن النبي شيئاً كثيراً فيثبتها سنناً يُحِل بها ويحرم.
....
ح- القاسم بن محمد : ووجدنا القاسم بن محمد يقول: حدثتني عائشة عن النبي، ويقول في حديث غيره: حدثني ابن عمر عن النبي. ويثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة.
خ - علي بن الحسين ووجدنا علي بن حسين يقول: أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال: "لا يرث المسلم الكافر ". فيثبتها سنة، ويثبتها الناس بخبره سنة.
د - محمد بن علي بن حسين : ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين يخبر عن جابر عن النبي، وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي. فيثبت كل ذلك سنة.
ذ- ( ذكر أن النقول عندهم عن جمهور التابعين ) ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم، ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيدَ بن طلحة بن رُكَانة، ومحمد بن طلحة بن ركانة، ونافعَ بن عُجَير بن عبد يزيدَ، وأبا أسامة بن عبد الرحمن، وحُميدَ بن عبد الرحمن، وطلحةَ بن عبد الله بن عوفٍ، ومصعبَ بن سعد بن أبي وقاص، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد الله بن أبي قتادة، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وغيرهم من محدثي أهل المدينة: كلُّهم يقول: حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النبي، أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي. فنُثَبِّت ذلك سنة.ووجدنا عطاءً، وطاوسً، ومجاهدً، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن باباه، وابن أبي عمارٍ، ومحدثي المكيين، ووجدنا وهب بن مُنَبِّهٍ هكذا، ومكحولً بالشأم، وعبد الرحمن بن غنم، والحسن، وابن سيرين بالبصرة، والأسود، وعلقمة، والشعبي بالكوفة، ومحدثي الناس، وأعلامَهم بالأمصار: كلُّهم يُحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله، والانتهاء إليه، والإفتاء به، ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه، ويقبله عنه مَن تحته.
ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أحمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد، والانتهاء إليه، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبَّته جاز لي.
ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفتُ من أن ذلك موجوداً على كلهم.
ج- عروة بن الزبير : ووجدنا عروة يقول: حدثتني عائشة: ((أن رسول الله قضى أن الخراج بالضمان)) (3) فَيُثَبِّته سنَّة، ويروي عنها عن النبي شيئاً كثيراً فيثبتها سنناً يُحِل بها ويحرم.
....
ح- القاسم بن محمد : ووجدنا القاسم بن محمد يقول: حدثتني عائشة عن النبي، ويقول في حديث غيره: حدثني ابن عمر عن النبي. ويثبت خبر كل واحد منهما على الانفراد سنة.
خ - علي بن الحسين ووجدنا علي بن حسين يقول: أخبرنا عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال: "لا يرث المسلم الكافر ". فيثبتها سنة، ويثبتها الناس بخبره سنة.
د - محمد بن علي بن حسين : ووجدنا كذلك محمد بن علي بن حسين يخبر عن جابر عن النبي، وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي. فيثبت كل ذلك سنة.
ذ- ( ذكر أن النقول عندهم عن جمهور التابعين ) ووجدنا محمد بن جبير بن مطعم، ونافع بن جبير بن مطعم، ويزيدَ بن طلحة بن رُكَانة، ومحمد بن طلحة بن ركانة، ونافعَ بن عُجَير بن عبد يزيدَ، وأبا أسامة بن عبد الرحمن، وحُميدَ بن عبد الرحمن، وطلحةَ بن عبد الله بن عوفٍ، ومصعبَ بن سعد بن أبي وقاص، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن كعب بن مالك، وعبد الله بن أبي قتادة، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وغيرهم من محدثي أهل المدينة: كلُّهم يقول: حدثني فلان لرجل من أصحاب النبي عن النبي، أو من التابعين عن رجل من أصحاب النبي. فنُثَبِّت ذلك سنة.ووجدنا عطاءً، وطاوسً، ومجاهدً، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد، وعبيد الله بن أبي يزيد، وعبد الله بن باباه، وابن أبي عمارٍ، ومحدثي المكيين، ووجدنا وهب بن مُنَبِّهٍ هكذا، ومكحولً بالشأم، وعبد الرحمن بن غنم، والحسن، وابن سيرين بالبصرة، والأسود، وعلقمة، والشعبي بالكوفة، ومحدثي الناس، وأعلامَهم بالأمصار: كلُّهم يُحفظ عنه تثبيت خبر الواحد عن رسول الله، والانتهاء إليه، والإفتاء به، ويقبله كل واحد منهم عن من فوقه، ويقبله عنه مَن تحته.
ولو جاز لأحد من الناس أن يقول في علم الخاصة: أحمع المسلمون قديما وحديثاً على تثبيت خبر الواحد، والانتهاء إليه، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحد إلا وقد ثبَّته جاز لي.
ولكنْ أقول: لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفتُ من أن ذلك موجوداً على كلهم.
مبررات رد خبر الواحد عن علماء السلف :
قال: فإن شُبِّه على رجل بأن يقول: قد روي عن النبي حديث كذا، وحديث
كذا، وكان فلان يقول قولاً يخالف ذلك الحديث.
فلا يجوز عندي عن عالم أن يُثبت خبر واحد كثيراً، ويُحِل به، ويحرم، ويردَّ مثله: إلا من جهة
فلا يجوز عندي عن عالم أن يُثبت خبر واحد كثيراً، ويُحِل به، ويحرم، ويردَّ مثله: إلا من جهة
- أن يكون عنده حديث يخالفه،
- أو يكونَ ما سمع ومَن سمع منه أوثقَ عنده ممن حدَّثه خلافه،
- أو يكونَ من حدثه ليس بحافظ،
-أو يكونَ متهماً عنده، أو يَتَّهِمَ من فوقه ممن حدثه،
-أو يكونَ الحديث محتملا معنيين، فيتأوّلَ فيذهبَ إلى أحدهما دون الآخر.
فأما أن يتوهَّم متوهِّم أن فقيهاً عاقلاً يُثبت سنة بخبر واحد مرةً ومراراً، ثم يدعُها بخبرِ مثلِهِ وأوثق بلا واحدٍ من هذه الوجوه التي تُشَبَّه بالتأويل كما شُبِّه على المتأولين في القُرَآن، وتُهَمَةِ المخبِر، أو علمٍ بخبر خلافه، فلا يجوز إن شاء الله.
فإن قال قائل: قلَّ فقيه في بلد إلا وقد روى كثيراً يأخذ به وقليلاً يتركه؟
فلا يجوز عليه إلا من الوجه الذي وصفتُ
لماذا يروي الخبر بعض الأئمة ولا يأخذ به ؟
ومن أن يروي عن رجل من التابعين أو مَن دونهم قولاً لا يلزمه الأخذ
به، فيكونَ إنما رواه لمعرفة قوله، لا لأنه حجة عليه وافقه أو خالفَه.
فإن لم يسلك واحداً من هذه السبل فيُعذرَ ببعضها، فقد أخذ خطأ لا عذر فيه عندنا والله أعلم.
فإن لم يسلك واحداً من هذه السبل فيُعذرَ ببعضها، فقد أخذ خطأ لا عذر فيه عندنا والله أعلم.
جعل الأخبار على قسمين والتفرقة بين الأخبار المجمع عليها والأخبار من
طرق خاصة ؟
فإن قال قائل: هل يفترق معنى قولك: حجة؟ قيل له: إن شاء الله نعم. فإن قال: فَأَبِنْ ذلك؟
قلنا: أما ما كان نصَّ كتاب بيِّن أو سنةٍ مجتمع عليها فيها مقطوع، ولا يسع الشكُّ في واحد منهما، ومن امتنعَ من قبوله استُتِيب.
قلنا: أما ما كان نصَّ كتاب بيِّن أو سنةٍ مجتمع عليها فيها مقطوع، ولا يسع الشكُّ في واحد منهما، ومن امتنعَ من قبوله استُتِيب.
فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر
محتملاً للتأويل،
وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد: فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين
حتى لا يكون لهم ردُّ ما كان منصوصاً منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول، لا
أن ذلك إحاطةٌ كما يكون نص الكتاب وخبرُ العامة عن رسول الله.
ولو شك في هذا شاكّ لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالماً - أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم.
ولو شك في هذا شاكّ لم نقل له: تب، وقلنا: ليس لك - إن كنت عالماً - أن تشك، كما ليس لك إلا أن تقضي بشهادة الشهود العدول، وإن أمكن فيهم الغلط، ولكن تقضي بذلك على الظاهر من صدقهم، والله ولي ما غاب عنك منهم.
مناقشة العمل بالمرسل وقبوله من رده :
أولاً خلاصة رأي الشافعي في الأخذ بالمرسل تم تفصيل قوله :
الحديث المرسل :هوما رواه التا بعي مطلقا سواء كان كبيرا أو صغيرا عن
رسول الله صلى الله وسلم.
الشروط التي شرطها الإمام الشافعي لقبول الحديث المرسل:
شرط الامام الشافعي شروطا في ((المرسِل )) وشروطا في (( المرسَل ))
أولا:شروط المرسِل: ثلاثة شروط
أ ـ أن يكون المرسِل من كبار التابعين فان كان المرسِل من صغار التابعين
رد الامام الشافعي مرسله.
ب:اذا سمى المرسِل من أرسل الحديث عنه سمى ثقة لا مجهولا ولامرهوبا عن
الرواية عنه.
ج:اذا شارك المرسل احدا من الحفاظ في رواية حديث لم يخالفه .
ثانيا:شروط المرسَل:
أن ياتي الحديث المرسل من وجه آخر مسندا,
وان لم يأت من وجه آخر مسندا شرط فيه :
ـ إما أن يأتي من وجه آخرمرسلا أرسله من أخذ العلم من غير رجال المرسل
الاول ممن يقبل عنه العلم
ـ وإما أن تعضده أقوال الصحابة.
ـ وإما أن تعضده فتاوى عامة العلماء .
ثانياً : نص الرسالة مع عبارات توضيحية مدرجة :
فقال: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على مَن علمه؟ وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواءٌ؟
قال "الشافعي": فقلت له: المنقطع مختلف: أقسام المرسل عنده
فمن شاهدَ أصحاب رسول الله من التابعين، فحدَّث
حديثاً منقطعاً عن النبي: اعتُبر عليه بأمور:
[ منها: أن
ينظر إلى ما أَرسل من الحديث،
[شروط قبول الإمام الشافعي للمرسل ]
أ- الشرط الأول
: أن يعتضد المرسل بأحد الأمور التالية :
(أن يعضده رواية مسندة ) فإن شَرِكَه فيه الحفاظ المأمونون، فأسندوه الى رسول الله بمثل معنى
ما روى: كانت هذه دلالةً على صحة مَن قبل عنه وحفظه.
أو (أن يعضده مرسل آخر ) وإن انفرد بإرسال حديث لم يَشركه
فيه من يُسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك. ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسِل
غيره ممن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟ فإن وُجد ذلك كانت دلالةً يَقوى له مرسلُه، وهي أضعف من الأولى.
أو (أن يعضده أقوال الصحابة ) وإن لم يُوجَد ذلك نُظر إلى بعض ما يُروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً
له، فإن وُجد يُوافق ما روى عن [ص:463] رسول الله كانت في هذه دلالةٌ على أنه لم يأخذ
مرسَلَه إلا عن أصل يصح إن شاء الله.
أو(أن يعضده عامة الفتاوى) وكذلك إن وُجد عوامُّ من أهل
العلم يُفتون بمثل معنى ما روى عن النبي.
ب- الشرط الثاني
: ( أن يرويه عن معروف مقبول الرواية )
قال "الشافعي": ثم يُعتبر عليه: بأن يكون
إذا سمى من روى عنه لم يسمِّي مجهولاً ولا مرغوباً عن الرواية عنه، فيُستدل بذلك على
صحته فيما روى عنه.
ب- الشرط الثالث
: ( أن لا يخالف الحفاظ )
ويكون إذا شَرِك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه،
فإن خالفه وُجد حديثه أنقصَ: كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومتى ما خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه، حتى لا يسع
أحداً منهم قبول مرسله
قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا
أن نقبل مرسله.
ولا نستطيع أن نزعُم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالموتَصِل.
ِ
وذلك أن معنى المنقطع مُغَيَّب، يحتمل أن يكون حمُل
عن من يُرغب عن الرواية عنه إذا سُمّي وإن بعض المنقطعات - وإن وافقه مرسل مثله - فقد
يحتمل أن يكون مخرجها واحداً، من حيث لو سمي لم يُقبل، وأن قول بعض أصحاب النبي - إذا
قال برأيه لو وافقه - يدل على صحة مَخرج الحديث، دلالةً قوية إذا نُظر فيها، ويمكن
أن يكون إنما غلِط به حين سمِع قول بعض أصحاب النبي يوافقه، ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه
من بعض الفقهاء.
( رد مرسل من بعد كبار التابعين والعلة في ذلك
) فأما مَن بعد كبار التابعين الذين كثرت
مشاهدتهم لبعض أصحاب رسول الله: فلا أعلم منهم واحداً يُقبل مرسله لأمور: أحدها: أنهم
أشد تجوّزاً فيمن يروون عنه، والآخر: أنهم يوجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه.
والآخر: كثرةُ الإحالة. كان أمكن للوَهَم وضعفِ مَن يُقبل عنه.
أقسام من المحدثين في تلقي العلم
وقد خَبَرْت بعض من خَبَرْتُ من أهل العلم، فرأيتهم
أُتُوا من خصلة وضدِّها:
- رأيت الرجل يَقْنع بيسير العلم، ويريد إلا أن
يكون مستفيداً إلا من جهة قد يتركه من مثلها أو أرجحَ، فيكون من أهل التقصير في العلم.
- ورأيت من عاب هذه السبيلَ، ورغب في التوسع في
العلم، مَن دعاه ذلك الى القبول عن من لو أمسك عن القبول عنه كان خيراً له.
- ورأيت الغفلة قد تدخل على أكثرهم، فيقبلُ عن من
يَردُّ مثله وخيراً منه.
ويُدخَل عليه، فيقبلُ عن من يعرف ضعفه، إذا وافق
قولاً يقوله! ويردُّ حديث الثقة إذا خالف قولاً يقوله!
ويُدخَل على بعضهم من جهات.
ومن نظر في العلم بخِبْرة وقلةِ غفلة، استوحش من
مرسَلِ كلِّ مَن دون كبار التابعين، بدلائل ظاهرة فيها.
قال: فلمَ فرَّقت بين التابعين المتقدمين
الذين شاهدوا أصحاب رسول الله، وبين من شاهد بعضهم دون بعض؟
فقلت: لبعد إحالة من لم يشاهد أكثرهم.
قال: فلم لم تقبل المرسَل منهم، ومن كل فقيه دونهم؟
قلت: لما وصفت. ُ
[ مثال على حديث من مراسيل صغار
التابعين رد ]
قال: وهل تجد حديثاً تبلغ به رسولَ الله مرسلاً
عن ثقة لم يقل أحداً من أهل الفقه به ؟
قلت: نعم، أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر: أن
رجلاً جاء الى النبي، فقال: يا رسول الله! إن لي مالاً وعيالاً، وإن لأبي مالاً وعيالاً،
وإنه يريد أن يأخذ مالي، فيُطعِمَهُ عياله. فقال رسول الله: "أنت ومالك لأبيك".
(1)
فقال: أما نحن فلا نأخذ بهذا، ولكن من أصحابك من يأخذ به؟
فقلت: لا، لأن مَن أخذ بهذا جعل للأب الموسر أن
يأخذ مال ابنه.
قال: أجل، وما يقول بهذا أحد. فلمَ خالفه الناس
؟
قلت: لأنه لا يَثبت عن النبي، وأن الله لما فرض
للأب ميراثه من ابنه، فجعله كوارثٍ غيرِه، فقد يكون أقلَّ حظاً من كثير من الورثة:
دلَّ ذلك على أن ابنه مالكٌ للمال دونه.
قال: فمحمد بن المنكدر عندكم غاية في الثقة؟
قلت: أجل، والفضلِ في الدين والورع، ولكنا لا ندري
عن من قَبِل هذا الحديث.
وقد وصفت لك الشاهدين العدلين يشهدان على الرجل
فلا تُقبل شهادتهما حتى يُعَدِّلاهما أو يُعدلهما غيرهما.
قال: فتذكرُ من حديثكم مثل هذا؟
قلت: نعم، أخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب:
"أن رسول الله أمر رجلاً ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة".
فلمْ نَقبل هذا، لأنه مرسل.
ثم أخبرنا الثقة عن مَعْمَر عن بن شهاب عن سليمان
بن أرقَمَ عن الحسن عن النبي: بهذا الحديث
وابن شهاب عندنا إمام في الحديث والتخيير وثِقةِ
الرجال، إنما يُسمي بعض أصحاب النبي، ثم خيارَ التابعين، ولا نعلم محدثا يسمي أفضل
ولا أشهر ممن يحدِّث عنه ابن شهاب.
قال: فأنى تُرَاه أتى في قبوله عن سليمان بن أرقم؟
رآه رجلاً من أهل المروءة والعقل،
فَقَبِل عنه، وأحسن الظن به، فسكت عن اسمه إما لأنه أصغر منه، وإما لغير ذلك، وسأله
مَعْمر عن حديثه عنه، فأسنده له.
فلما أمكن في ابن شهاب أن يكون يروي عن سليمان مع
ما وصفت به ابن شهاب: لم يُؤمَن مثل هذا على غيره.
قال: فهل تجد لرسول الله سنة ثابتة من جهة الاتصال
خالفها الناس كلهم ؟
قلت: لا، ولكن قد أجد الناس مختلفين فيها: منهم
من يقول بها، ومنهم من يقول بخلافها.
فأما سنةٌ يكونون مجتمعين على القول بخلافها، فلم
أجدها قط، كما وجدت المرسَل عن رسول الله.
قال "الشافعي": وقلت له: أنت تسأل عن
الحجة في رد المرسل وترده، ثم تجاوز فتردُّ
المسنَدَ الذي يلزمك عندنا الأخذ به!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق